وختاما استميحك اخي الحبيب عذرا ان اطلت عليك في مقالي، فإن لي اسوة في كليم الله موسى - عليه الصلاة والسلام - عندما سأله رب العزة والجلال 'وما تلك بيمينك يا موسى' فأجاب 'هي عصاي اتوكأ عليها، واهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب اخرى'.
قال العلامة السيد ابن عجيبة الحسني في تفسيره الرائع 'البحر المديد 4/ 269' 'الاطناب في مناجاة الاحباب محمود'.
كلمة حكيم
قال قطب الدعوة والارشاد الحبيب عبدالله الحداد - رحمه الله - في رسالة المعاونة ص 49 ما يلي:
وينبغي ان يكون لك ورد من قراءة العلم النافع وهو الذي يزيد في معرفتك بذات الله واقواله وصفاته وافعاله وآلائه، وتعرف به ما أمرك به من طاعته ونهاك عنه من معصيته، ويورثك زهدا في الدنيا ورغبة في الآخرة، ويبصرك بعيوب نفسك وآفات اعمالك ومكائد عدوك.
وهذا العلم مبثوث في الكتاب والسنة وكتب الائمة. وقد جمعه الإمام الغزالي في كتبه العظيمة القدر، الكبيرة الخطر، عند من له بصيرة في الدين ورسوخ في العلم وكمال في اليقين، فواظب على مطالعتها ان كانت لك همة في سلوك الطريق ورغبة في الوصول الى مراتب التحقيق، وقد انفردت الكتب الغزالية من بين كتب المحققين من الصوفية بالجمع والتحرير وحصول التأثير الكثير في الزمن القصير.
وعليك بالإكثار من قراءة كتب الحديث والتفسير ومن مطالعة كتب القوم عامة فإن ذلك فتح عام وسلوك تام كما قال بعض العارفين.
ولكن ينبغي لك ان تحترز عما يشتمل من رسائلهم على الامور الغامضة والحقائق المجردة وهذه الاشياء توجد في اكثر مؤلفات الشيخ محمد بن عربي وفي شيء من رسائل الامام الغزالي كالمعراج والمضنون به، وقد ذكر الشيخ زروق في 'تأسيس القواعد' قاعدة في التحذير من الكتب التي تجرى هذا المجرى فراجعها ان شئت.
'فإن' قال قائل لا بأس علي في مطالعة هذه الكتب، لاني آخذ ما افهمه واسلم لما لا افهمه لقائله.
'قيل له' قد انصفت، ونحن انما نخشى عليك مما تفهمه ان تفهمه على غير وجهه فتضل عن سواء السبيل.
مؤلفات الشيخ الأكبر
يقول الأستاذ الدكتور ابو العلا عفيفي في تصديره على كتاب فصوص الحكم ص 5 'للشيخ محيي الدين ابن عربي المتوفى سنة 638ه من المؤلفات مالا يكاد العقل يتصور صدوره عن مؤلف واحد، لم ينفق كل لحظة من لحظات حياته في التأليف والتحرير، بل شغل شطرا غير قليل منها فيما يشغل به الصوفية انفسهم من ضروب العبادة والمجاهدة والمراقبة والمحاسبة، ولا جدال في ان مولفاته تربى على المائتين - على اقل تقدير'.
واصعب ما في مؤلفات الشيخ محيي الدين مصطلحاته، لذا تصدى مؤلفون كثيرون لشرحها، ومن اهم الاعمال الجليلة في شرح مصطلحات الشيخ الاكبر موسوعة أ. د. سعاد الحكيم 'المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة'، التي امضت في اعدادها سنوات، ثم قال: والآن نسأل ما نتيجة صبرنا خلال سنوات حاولنا فيها فك طلاسم شيخنا الاكبر، وتتبع التجربة الصوفية في سلوكها ومفرداتها؟
الواقع ان عملا كهذا، لا يعتبر كاملا، وذلك نظرا لضخامة المشروع، فمعجم صوفي تنتقي مفرداته من قمة تفتح التجربة الصوفية واللغة الصوفية، في اطلالتها على الفلسفة بأنواعها والفلك والجفر و ... يجعل عملا كهذا في حكم المشروع الانساني، يضاف الى ذلك غزارة نتاج الشيخ الاكبر اذ ان فتوحاته تزيد على ثلاثة آلاف صفحة فقط، والوصول الى مرتبة كمالية في عمل مماثل، يتطلب جهد جماعة من الباحثين لانه عندئذ قد يستوعب عشرات المجلدات، ولكن هذا المعجم وان لم يكن كاملا، الا انه يعتبر خطوة علمية موضوعية، وبدء طريق قد نترافق به، ونكمل الدرب ما اتسع لنا السير فيه، واخيرا، نضع صفاحتنا هذه بين يدي القارئ ينبض كل حرف فيها في صراحة، بتقديرنا وحبنا لهذه الشخصية الفذة التي تألقت عبر نضج تجربتها الصوفية بأصالة عربية حقيقية، والتي استطاعت بصدق نبراتها ان تسد مسام الثغرة التي تفصلنا عن القرن السادس الهجري، وتمدنا بذاك التواصل الحقيقي مع تراثنا العربي وحضارتنا الشرقية.
خلاصة القول في ابن عربي
خلاصة القول في الشيخ الاكبر - رحمه الله - ما قاله فيه الباحث الايراني الدكتور محسن جهانكير - استاذ الفلسفة في جامعة طهران - في كتابه القيم محيي الدين ابن عربي ص 515.
'ان الوجود الثقافي القيم، والوجه الروحاني والمعنوي، والشخصية العميقة ذات الابعاد الكثيرة لابن عربي قد استقطبت جماعة كبيرة من رجال العلم والدين، بمن فيهم اعلام العلم والحكمة في دار الاسلام، فراحوا يبحثون ويدرسون آثاره بجد وينقدون افكاره، فطأطأوا رؤوسهم تعظيما واجلالا لما وجدوا لديه من معلومات عميقة واسعة، واثنوا جميعا على درجته العلمية والثقافية الرفعية، الا انهم ابدوا آراء متضاربة في ايمانه واعتقاده الديني وتقواه، فبعضهم اطرى درجة ايمانه وقدسه وزهده ما يستطيع، وارتفع بمقامه الروحاني والمعنوي الى مرتبة الولاية وعده من اكابر اولياء الله. وبعضهم قال عنه انه عديم الايمان والدين، وفاسق، وفاجر، وكافر، وملعون، ومكذب بجميع الكتب والرسل، ومحلل جميع الفروج، وشيخ سوء وكذاب، لانهم لم يجدوا اقواله وأفكاره متناسبة مع ظاهر الدين والشريعة، او بعبارة اصح ما فهموه من الدين والشريعة، وبعضهم وقف موقف المتحير فاحجموا عن ابداء اية وجهة نظر فيه، ورأى البعض انه معذور رغم ما في افكاره وعقائده من تعارض مع الدين والايمان - ظاهرا.
والحقيقة هي ان ظهور هذه الآراء المتضادة - لاسيما تحير وتوقف بعض المفكرين فيه - ينبئ عن عمق شخصيته وكثرة ابعادها. وللعلم لم يكن الشيخ الاكبر الشخص الوحيد في التاريخ الاسلامي الذي كثر الخلاف فيه، بل هناك كثيرون غيره، ومنهم ابن تيمية فالخلاف حول شخصيته بين العلماء اكثر من الخلاف حول شخصية ابن العربي، وانظر ترجمته في المراجع نفسها التي ذكرتها لترجمة الشيخ محيي الدين'.
==================
إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت .. !
إذا رُزق الفتى وجهاً وقاحاً ... تقلّب في الأمور كما يشاء
ُ
¥