والله سبحانه وتعالى لم يجعل الشرك وسيلة للتقرب اليه كما قال تعالى: (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين اربابا أيأمركم بالكفر بعد اذ أنتم مسلمون) وقال: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله .. )، فالله سبحانه وتعالى لا يُتوسل اليه الا بما يرضيه وارتضاه لعباده من الاقوال والاعمال والاعتقاد، والشرك به ليس وسيلة اليه، فمن عبد غير الله من الملائكة، او الرسل، او الاولياء فقد اشرك وتعرض لسخط الله وعقابه، وان كان من كان كما قال تعالى: (ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)، وقال تعالى: (لا تجعل مع الله إلها اخر فتقعد مذموما مخذولا)، وقال: (ولا تجعل مع الله إلها اخر فتلقى في جنهم ملوما مدحورا) وقال عن انبيائه ورسله المكرمين الذين عددهم في سورة الانعام: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) فالشرك موجب لسخط الله وان وقع ممن وقع منه، فان كان مسلما كفر، ولا يقال ان المسلم اذا فعل الشرك والكفر لا يحكم عليه بكفر ولا بشرك.
هو ما جاء به القرآن والسنة واجمع عليه سلف الامة، فان السجود فرد من افراد العبادة لله كالركوع والذبح والنذر والطواف والسعي ولا يمتنع ان يجعل الله بعض هذه الافراد مخصوصا به في شريعتنا ومباحا لغيره في شريعة اخرى.
واما الذي لا يتبدل ولا يتغير في كل شريعة فهي امور الاعتقاد كاعتقاد ان الله هو الاله الواحد الذي لا اله غيره ولا رب سواه الحي القيوم المتصف بصفات الكمال والجلال، فهذا من المسائل الخبرية العلمية التي لا يدخلها النسخ.
اما الامور العملية فيدخلها النسخ، فالسجود من الامور العملية، فيجوز ان يكون مقصورا في شريعتنا على الله وحده، وان يسمح به الله سبحانه في شريعة اخرى تكريما لعبد من عباده كسجود الملائكة لادم وسجود اخوة يوسف له.
والله يشرع ما يشاء لعباده.
ومعلوم في الكتاب والسنة واجماع الامة ان الله لم يشرع السجود في شريعتنا لغيره، وبما ان السجود عبادة وقد جعلها الله في شريعتنا له وحده، فيكون من سجد لغير الله قد اتخذ الها غير الله.
ولذلك ذكر المفسرون للقرآن السجود لغير الله في باب الاضطرار الى قول كلمة الكفر عند قوله تعالى: (من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. ) الآية، وفيها من التفصيل ما نقلناه انفا عن الامام القرطبي.
والخلاصة ان السجود لغير الله في شريعتنا كفر وشرك، كفر لانه رد للآيات والاحاديث التي تأمر بالسجود لله وحده، وشرك لانه صرف عبادة لغير الله، والسجود للقبور بالخصوص شرك جلي لا يماري فيه الا من طمس على بصيرته فنعوذ بالله من الخذلان.
سابعا: الخوارج يكفرون بالكبيرة وليس بالكفر:
قال بعضهم في الرد: «انما المسارعة الى تكفير المسلمين فهذا من دأب الخوارج المارقين»
ولست ادري ما دخل الخوارج في هذا الامر، فان الخوارج منذ ظهروا في خلافة علي بن ابي طالب ـ رضي الله عنه ـ والى يومنا هذا، لم يكن من شأنهم قتال من يقع في الكفر والشرك من المسلمين، وانما كانوا يكفرون اهل الاسلام بالكبائر التي هي دون الشرك فقد كفروا عليا ـ في زعمهم» لانه حكّم الرجال ولم يحكم القرآن، ولانه لم يبح لهم فيمن قاتلهم من المسلمين في موقعة الجمل سبي نسائهم ولا اخذ اموالهم .. الى امور عظيمة من الجهل.
واما قتال من كفر من المسلمين فقد فعله اصحاب النبي، فهذا ابو بكر قاتل مانعي الزكاة وسبى نساءهم، واخذ اموالهم، وقد جرى علماء الاسلام على تحديد انواع الكفر والشرك، ومتى يصبح المسلم مرتدا، ومتى يستتاب من كفره، وذكر العلماء احكام الزنديق.
فالحكم بكفر الكافر حق، فيجب ان نشهد بما شهد به الله ورسوله، وكما لا يجوز اخراج مسلم من الاسلام، فإنه لا يحل كذلك الحكم بإسلام الكافر والزنديق، وليس هذا كله من فعل الخوارج، بل من عمل علماء الاسلام، وخلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وائمة الهدى - وما نحن بصدده هنا من السجود لغير الله، والطواف بغير بيت الله فهو من الكفر الذي اجمعت عليه الامة ولا دخل للخوارج في هذا الامر قط.
ثامنا: السجود لغير الله كفر بمجرده
¥