والإضافة تتنوع دلالتها بحسب المضاف إليه، فلما قال في آخر الحديث: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعًا كان هذا يقتضي المشابهة في الجنس والقدر؛ لأن صورة المضاف من جنس صورة المضاف إليه، وحقيقتهما واحدة.
وأما قوله في الحديث: خلق آدم على صورته فهذا يقتضي نوعًا من المشابهة، ولا يقتضي تماثلا في حقيقة ولا قدر.
ومن المعلوم أن الشيئين المخلوقين قد يكون أحدهما على صورة الآخر مع التفاوت العظيم بين جنس ذواتهما وقدر
ذواتهما، وقد تظهر السماوات والقمر في صورة ماء أو مرآة في غاية الصغر، ويقال هذه صورتها، مع العلم بأن حقيقة السماوات والأرض والقمر أعظم من ذلك بما لا نسبة لأحدهما إلى الآخر، وكذلك المصوِّر الذي يصور السماوات والكواكب والشمس والقمر والجبال والبحار، مع أن الذي يصوره -وإن شابه ذلك- فإنه أبعد شيء عن حقيقته وقدْره.
ومن المعلوم كذلك أن الصورة قائمة بالشيء، فصورة الله كوجه الله و يد الله وقدرة الله، ومشيئة الله، وكلام الله، قائمة به ويمتنع أن تقوم بغيره.
وثبوت الوجه والصورة لله قد جاءت في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة المتواترة، واتفق على ذلك سلف الأمة.
ففي حديث الصورة: إذا قاتل أحدكم أو ضرب فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته نهى عن ضرب الوجه؛ لأن الله خلق آدم على صورته، فلو كان المراد مجرد خلقه عالمًا قادرًا، ونحو ذلك لم يكن للوجه بذلك اختصاص، بل لا بد أن يريد الصورة التي يدخل فيها الوجه، ولو كانت الإضافة (على صورته) إضافة خلق لكان سائر الأعضاء مشاركة للصورة التي هي الوجه في كون الله خلق ذلك.
ثم إن الأدلة الشرعية والعقلية التي تثبت بها صفات الله يثبت بنظيرها هذه الصورة، فإن وجود ذات ليس لها صفات ممتنع، وثبوت الصفات الكمالية معلوم بالشرع والعقل، وثبوت المشابهة من بعض الوجوه في الأمور الكمالية معلوم بالشرع والعقل، وكما أنه لا بد لكل موجود من صفات تقوم به، فلا بد لكل موجود قائم بنفسه من صورة يكون عليها.
كون الإنسان على صورة الله -إذا أقر الحديث كما جاء- فيه نوع من المشابهة أكثر من المشابهة في تأويل الحديث على أن الصورة بمعنى الصفة أو الصورة المعنوية، أو الروحانية ونحو ذلك، فمسمى التشبيه لازم على التقديرين، والتشبيه المنفي بالنص والإجماع والأدلة العقلية الصحيحة منتف على التقديرين.
قال الإمام أحمد في رواية أبي القاسم الجيلي عن حنبل والذي جاء به الشرع في هذا النص من قوله: خلق آدم على صورته ونحوه، فإنه أخص مما يعلم بمجرد العقل من ثبوت القدْر المشترك بينه وبين كل موجود وكل حي، فإن هذا
المدلول عليه بالنص لا يعلم بالعقل والقياس، وإنما يعلم أصل ذلك مجملا.
أما قول بعض أهل البدع كالرازي وغيره إن الضمير في الحديث: خلق الله آدم على صورته يعود إلى آدم أو إلى المضروب فهذا باطل، وقد ناقشهم المؤلف شيخ الإسلام ورد عليهم من وجوه متعددة.
وكذلك قول بعض أهل الحديث - كابن خزيمة إن الضمير يعود إلى المضروب باطل ردّ عليه المؤلف من وجوه متعددة،
وكذلك تضعيف ابن خزيمة لرواية الحديث خلق الله آدم على صورة الرحمن رد عليه المؤلف وبين أنها ثابتة كما أثبتها
الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
رقم الفتوى: 2359
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه
عنوان الفتوى: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق آدم على صورته.
تاريخ الفتوى: 16 صفر 1420
السؤال: أرجو التكرم بتوضيح معنى الحديث (إن الله خلق آدم على صورته) وهل هذا الحديث يقتضي التشبيه وإذا كان معنى الحديث يُفسر بالتأويل فلماذا لا نقول بالتأويل في جميع آيات الصفات. وجزاكم الله خيراً ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل. ومعاذ الله أن يكون في نصوص الوحي ما يقتضي تشبيهاً أو تمثيلاً، فإن الله تعالى يقول: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). [الشورى: 11].ولو كان في شيء من النصوص ما يقتضي ذلك لما كانت دالة على الهدى داعية إلى الرشد. وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، ولفظ مسلم: " إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب
¥