أكثر هذه الأقوال رواجا: النسبة إلى الصفاء. فقد ذكر نيكلسون: أن مقابل كل تعريف ينسب الصوفية إلى الصفة: اثني عشر تعريفا ينسبها إلى الصفاء، وذلك بالنظر في تعريفات الأئمة الصوفية، في الفترة الممتدة بين عام200 إلى 440 هـ، وقد نقلها في كتابه، ثم قال:
"يتبين من النظر في التعريفات أن الزمن الذي وضعت فيه يكاد يقرب من قرنين ونصف؛ لأن أولها هو تعريف معروف الكرخي المتوفى سنة 200هـ، وآخرها تعريف أبي سعيد بن أبي الخير المتوفى سنة 440هـ. ويتبين أيضا أنها تعريفات من أنواع مختلفة:
- إذ منها الثيوسوفي المتصل بأحوال الصوفية.
- ومنها المتصل بوحدة الوجود.
- كما أن منها الأخلاقي اللغوي، وهو ما أشبه بالحكم.
وليس في عصرنا الحاضر من ينكر اشتقاق كلمة الصوفي من الصوف، ولكن الناظر في التعريفات التي ذكرناها، سيظهر له في وضوح، أن الصوفية أنفسهم لم يأخذوا بهذا الرأي، فإنا نجد في مقابل كل تعريف، ينسب الصوفية إلى لبس الصوف، اثني عشر تعريفا، يشير إلى اشتقاق كلمة الصوفي من الصفاء" [19].
فهذا ما اشتهر في تعريفات من تقدم من الأئمة المتصوفة: النسبة إلى الصفاء.
فهو التعريف الشائع المشهور، أما من بعدهم، فقد صاروا إلى ترجيح النسبة إلى الصوف، على الرغم من أن أئمة الصوفية لم يأبهوا لهذا الرأي، كما ذكر نيكلسون آنفا، وكما يذكر القشيري والهجويري.
ثم تأتي في المرتبة بعدهما النسبة إلى الصفة وإلى الصف الأول، فقد قال بها جمع من المتقدمين، لكن يبدو أن القائلين بالنسبة إلى الصفة أكثر.
وأما النسبة إلى الصوفة، فهي تأتي على معنيين:
- الأول: نسبة إلى رجل يدعى: صوفة. وهو الغوث بن مر بن أدّ.
- الثاني: نسبة إلى صوفة القفا، وهي: شعيرات مهملة في قفا الرأس.
فهذه النسبة، والنسبة إلى الصوفانة: بقلة تنبت في الصحراء. قد ذكرت، لكن ليس على ألسنة المتصوفة، وليس لها ثقل يوازي الأربعة الأولى، وإن كانت الأربعة فيما بينها متفاوتة، على ما سبق تفصيله.
ويلاحظ أن جميع النسب السابقة لا تصح لغة، باعتراف أئمة التصوف، وإن كان ثبوتها أو بطلانها لغة لا تشترط فيها شهادتهم، بل يرجع إلى اللغة، غير أن إقرارهم مفيد في كل حال.
يقول القشيري: "هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة، فيقال: رجل صوفي. وللجماعة: صوفية. ومن يتوصل إلى ذلك، يقال له: متصوف. وللجماعة: المتصوفة.
وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية: قياس ولا اشتقاق. والأظهر فيه: أنه كاللقب.
- فأما قول من قال: إنه من الصوف. ولهذا يقال: تصوف. إذا لبس الصوف. كما يقال: تقمص. إذا لبس القميص. فذلك وجه، لكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف.
- ومن قال: إنهم منسوبون إلى صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفي. [20]
- ومن قال إنه مشتق من الصفاء، فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة.
- وقول من قال: إنه مشتق من الصف. فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم، فالمعنى صحيح، ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف.
ثم إنه هذه الطائفة أشهر من أن يحتاج في تعيينهم إلى قياس لفظ، واستحقاق اشتقاق". [21]
يلخص القشيري رأيه في كلمات:
"وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية: قياس ولا اشتقاق. والأظهر فيه: أنه كاللقب".
لقد رفض هذه النسب جميعا لغة واشتقاقا، ولم يأبه للنسبة إلى الصفة والصفاء من حيث المعنى، إلا الصف، فصحح المعنى، ورد الاشتقاق. وأما الصوف فقد صحح الاشتقاق منه لغة، لكنه حكم ببطلان النسبة إليه!! .. علل ذلك: بأن القوم لم يختصوا بلبس الصوف.
فالنسب كلها باطلة لغة إذن، يستثنى منها:
- النسبة إلى الصوف.
- والنسبة إلى صوفة.
فهاتان النسبتان صحيحتان لغة، لكن الثانية منها غير مشهورة، فأئمة التصوف، كالطوسي، والكلاباذي، والقشيري، والسهروردي وغيرهم، لم يذكروها ألبتة، فهي مطّرحة عندهم إذن، ويشكل عليها: أن لقب (صوفية) لم يعرف ولم يشتهر إلا في القرن الثاني، بينما هؤلاء الزهاد والعباد ظهروا في فترة مبكرة في القرن الأول في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، فلو كان هذا اللقب مستمدا من هذا الاسم (صوفة) فلم لم يطلق عليهم في ذلك الوقت؟، ولم تأخر حتى منتصف القرن الثاني إلى نهايته؟. فالاسم (صوفة) موجود منذ الجاهلية، والمنقطعون الزهاد العباد موجودون، ومع ذلك لم يطلق
¥