4 - إبراهيم هلال قال: "على أن الأصل في تسمية هذا المذهب بالتصوف، وأصحابه بالصوفية، يوقفنا على أن التصوف في أصله إنما هو استيراد أجنبي، ليس للإسلام فيه شيء، لا في نشأته، ولا في طريقته المتزيدة، ولا في غايته أو غاياته المتعددة" [4].
5 - الدكتور محمد جميل غازي، الذي قال: "الصوفية كما نعلم اسم يوناني قديم مأخوذ من الحكمة (صوفيا) وليس كما يقولون إنه مأخوذ من الصوف". [5]
6 - إحسان إلهي ظهير حيث ذهب إلى أنه لا اعتدال التصوف. [6]
7 - المقبلي قال: "فالتصوف ليس من مسمى الدين، لأن الدين كمل قبله، أعني دين الإسلام، ولا هو من النعمة، لأنها تمت قبله، وليس التصوف داخلا في مسمى الإسلام، لأن الإسلام تم قبله، وهم معترفون بالغيرية، فحينئذ هو بدعة ضلالة" [7].
ولهذا الرأي أدلة ترجحه على النسب السابقة، وبخاصة النسبة إلى الصوف، فمن ذلك:
أولا: التشابه ما بين كلمتي (صوفية) و (سوفية) في اللفظ والرسم، وجواز التبديل بين حرفي السين والصاد.
ثانيا: اتحاد مدلول الكلمتين: (سوفية)، (صوفية)؛ فمدلولهما: الحكمة. يبين هذا:
- أن الصوفي عند الصوفية هو الحكيم، وهو صاحب الحكمة. لذا يكثر دورانهم على هذا المعنى، ويجعلونه وصفا لازما للصوفي، فمن لم يكن حكيما فليس له حظ من اللقب، هكذا يقرر ابن عربي – وغيره - فيقول: "ومن شروط المنعوت بالتصوف: أن يكون حكيما ذا حكمة. وإن لم يكن، فلا حظ له من هذا اللقب" [8].
- وكلمة (سوف) باليونانية تعنى الحكمة كذلك، والفيلاسوف هو محب الحكمة، وفق ما ذكر البيروني آنفا ..
فإذا كانت (الحكمة) هي (التصوف)، و (الحكيم) هو (الصوفي) .. و (الحكمة) هي (سوف)، و (الحكماء) هم (السوفية)، فأي اتفاق بعد هذا؟ ..
يقول نيكلسون:
"بعض الباحثين من الأوربيين يردها إلى الكلمة الإغريقية: سوفوس، بمعنى ثيوصوفي" .. [9]
وكلمة "ثيوصوفي" معناها: الحكمة الإلهية. (ثيو = إله)، (صوفي = الحكمة). [10]
ويقول عبد الواحد يحيى، وهو فرنسي معاصر، أسلم وتصوف:
"وأما أصل الكلمة، فقد اختلف فيه اختلافا كبيرا، ووضعت فروض متعددة، وليس بعضها أولى من بعض، وكلها غير مقبولة، إنها في الحقيقة تسمية رمزية.!!.
وإذا أردنا تفسيرها، ينبغي لنا أن نرجع إلى القيمة العددية لحروفها، وإنه لمن الرائع أن نلاحظ: أن القيمة العددية لحروف (صوفي)، تمثل القيمة العددية لحروف (الحكيم الإلهي). فيكون الصوفي الحقيقي إذن هو:
الرجل الذي وصل إلى الحكمة، إنه (العارف بالله)، إذ أن الله لا يعرف إلا به" [11].
وتأتي قيمة هذا النص، من كونه في نظر الدكتور عبد الحليم محمود: صوفيا متحققا بالتصوف، من العارفين بالله. [12] وهذه شهادة من صوفي كبير، لا خلاف في إمامته، وعليه فهذا الفرنسي المسلم المتصوف، إنما يعبر عن التصوف بعمق وإدراك لحقائقه إذن. وهكذا كل من تبحر في التصوف، وجد نفسه أمام هذه النتيجة ولا بد.
ثالثا: مضمون التصوف يوافق مضمون الفلسفة (سوفية)، فكلاهما يرميان إلى التشبه بالإله، وهذا يتبين من تعريف (التصوف) و (الفلسفة):
- قال الجرجاني: "الفلسفة التشبه بالإله بحسب الطاقة البشرية، لتحصيل السعادة الأبدية، كما أمر الصادق صلى الله عليه وسلم في قوله: (تخلقوا بأخلاق الله) [13]؛ أي تشبهوا به في الإحاطة بالمعلومات، والتجرد من الجسميات" [14].
- جاء في اصطلاحات الصوفية للكاشاني: "التصوف: هو التخلق بالأخلاق الإلهية" [15].
- وابن عربي يقول: "فاعلم أن التصوف تشبيه بخالقنا لأنه خلق فانظر ترى عجبا". [16]
فالتشبه والتخلق أمرهما واحد هو: التمثّل. فالمتشبه بشيء ما: يتمثل صفاته. والمتخلق بخلق شيء ما: يتمثل صفاته.
رابعا: كان عند قدماء اليونان: مذهب روحي يعتنقه النساك والزهاد، ينأون بجانبهم عن الدنيا، ويلجئون إلى أنواع المجاهدات والرياضات الروحية، يتقربون بأرواحهم إلى خالقهم، لتلقي الحكمة والمعارف القدسية، كان يطلق عليهم لقب: (تيو صوفية)، ومعناه: الحكماء الإلهيون. وإذا تأملنا هذا المذهب، وما يدعوا إليه الصوفية، وجدناهما سواء، كما أنهما سواء في اللقب. [17]
¥