تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خامسا: من هذا القبيل طائفة من الهنود القدامى، كانوا يعرفون باسم: (جيمنو صوفيا) ومعناه: الحكيم العاري. كانوا يقضون حياتهم في السياحة، متأملين الله تعالى. وهذا أيضا مذهب يعتنقه الصوفية الإسلام: السياحة، والتأمل. [18]

إذن هي فكرة قديمة، تجتمع كلها في لقب الحكمة (= صوفية، أو سوفية).

* * *

ولهذا الرأي إشارة محتملة في كلام القشيري والهجويري، اللذين قررا أنها كلمة جامدة غير مشتقة، وربما سبب جمودها كونها أعجمية .. نعم يوجد في العربية ألفاظ جامدة، والكلمات المعرّبة كذلك جامدة، وليس هذا بحثنا، إنما تحرير كلام هؤلاء الذين نفوا اشتقاقها، فإنه يحتمل الإشارة إلى أجنبيتها، فلنعد النظر فيما قاله القشيري والهجويري في هذا المقام:

قال القشيري: " وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، والأظهر فيه أنه كاللقب .. القوم لم يختصوا بلبس الصوف" [19].

- وقال الهجويري: "واشتقاق هذا الاسم لا يصلح على مقتضى اللغة، من أي معنى" [20].

- وإذا أضفنا إلى ذلك ما ذكره المستشرق نيكلسون بقوله: "ولكن الناظر في التعريفات التي ذكرناها، سيظهر له في وضوح، أن الصوفية أنفسهم لم يأخذوا بهذا الرأي، فإنا نجد في مقابل كل تعريف، ينسب الصوفية إلى لبس الصوف، اثني عشر تعريفا، يشير إلى اشتقاق كلمة الصوفي من الصفاء" [21].

إذن النتيجة المهمة هنا:

- أن القوم لم يختصوا بلبس الصوف.

- ولا يشهد لاسم (صوفية) من حيث العربية، قياس ولا اشتقاق.

- والصوفية لم يأخذوا بهذا الرأي.

فالقشيري استظهر أنه لقب، ومنع هو والهجويري أن يكون له أصل لغوي .. !!.

كل هذه إشارات إلى أعجمية الكلمة، وإن لم يصرحا بذلك، وإن حاولا التفلت من هذه النتيجة، بأشياء، من قبيل تعظيم الاسم أن يكون له جنس يشتق منه، كما فعل الهجويري، غير أن هذا التسليم، بمنع اشتقاق الكلمة لغة، مع استظهار القشيري أنها لقب، يرجح أن الكلمة أعجمية، يدل على هذا: أن أحدا من أهل اللغة لم يقل في هذه الكلمة أنها جامدة، كما قيل في لفظ الجلالة "الله". بل الذي قالوه إنها كلمة مولدة، يقول أحمد المقرئ:

- " تصوف الرجل، وهو صوفي، من قوم صوفية، كلمة مولدة" [22].

وكأنهما عرفا بذلك، وهذا محتمل، لكن لم يكن من السهولة التصريح بأن أصل الكلمة يونانية فلسفية، تدل على مذهب قديم، له قواعد وأصول معروفة، تتشابه مع أصول الصوفية في الإسلام، فمثل هذا لا يمكن أن يفصح به إمام صوفي، وإلا كان عونا على نقض مذهبه!!.

فالكلمة إذن ليست عربية، بل هي يونانية، أصلها: (سوفية)، لما دخلت إلى العربية، بدخول فلسفتها ومضمونها، غُيّر حرف السين فأشبع فصُيّر صادا، إما عمدا أو اتفاقا، لقرب المخارج، فدخلت الكلمة في العربية لفظا ومعنى، ساعد عليه جواز قلب السين صاد في اللغة العربية [23].

واستفادوا من هذا التحوير: التعمية والتضليل عن أصل الفكرة. فهم (صوفية) في الظاهر، نسبة إلى اللباس، وفي الباطن (سوفية) نسبة إلى الفلسفة اليونانية الهندية، يقول الدكتور عمر فروخ: "كانوا، في حال اجتماعهم مع غيرهم، يحافظون على ظاهر الدين الإسلامي، وعلى فرائضه، أما في خلواتهم، وفيما بينهم، فكان لهم أشياء يستحي العاقل من ذكرها". [24]

* * *


24 - تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ص27، وفي قول البيروني جواب لقول من قال: لو كان "صوفي" مأخوذ من "سوفيا" لقيل: "سوفي"، انظر التصوف في الإسلام، عمر فروخ ص24،29.

[2]- انظر: التصوف المنشأ والمصادر ص33، قضية التصوف، المنقذ من الضلال، ص32.

[3]-ص10، عن كلمة ( Mystic) ومعناها، ومرادفاتها في اللغات الأخرى، انظر: المعجم الفلسفي 1/ 747،282.

[4]- قطر الولي ص181.

[5]- الصوفية الوجه الآخر ص47.

[6]- التصوف المنشأ والمصادر ص6.

[7]- العلم الشامخ ص470.

[8]- الفتوحات المكية 2/ 266.

[9]- الصوفية في الإسلام ص11.

[10]- كلمة "ثيو سوفي" يونانية، معناها الحكمة الإلهية، ثيو ( Theism): الإله؛ سوفي ( Sophy): الحكمة ..

انظر: المعجم الفلسفي 1/ 360 (مادة: التوحيد)، المورد ص 879 (مادة Sophy) .

[11]- قضية التصوف، المنقذ من الضلال، عبدالحليم محمود، ص32، وانظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، فهد الرومي 1/ 359. والمذكور فرنسي الأصل، كان اسمه: رينيه جينو. انظر: م. س قضية التصوف

[12]- انظر: قضية التصوف، المدرسة الشاذلية، ص281.

[13]- سيأتي تخريجه: ص197 من هذه الرسالة.

[14]- التعريفات ص73.

[15]- ص164.

[16]- الفتوحات 2/ 266.

[17]- انظر: أضواء على التصوف، طلعت غنام ص66.

[18]- نشأة الفكر الفلسفي 3/ 42.

[19]- الرسالة 2/ 550،551

ـ[ابن دحيان]ــــــــ[17 - 07 - 05, 12:42 ص]ـ
ما شاء الله لله درك وعلى الله اجرك

كلام رصين وتأصيل متين من شيخ جليل يوضع على الرأس والعين
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير