تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن أستبعده القرطبي رحمه الله تعالى في: "المُفهِم " بقوله: "وهذا فيه بُعْدٌ؛ لقوله: "لعله"، ولو أُوحي إليه لما احتاجَ إلى التَّرجِّي" أ. هـ ويُرَدّ بأن (لعل) هنا للتعليل لا للترجّي، قَرَّره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في: "فتح الباري" حيث قال: "قال المازَرِي: (يحتمل أن يكون أوحى إليه أن العذاب يُخَفِّف عنهما هذه المدة) انتهى وعلى هذا فلعل هنا للتعليل. قال: (ولا يظهر له وجه غير هذا) وتَعَقَّبه القرطبي بأنه لو حصل الوحي: لما أتى بحرف الترجِّي، كذا قال. ولا يَردُ عليه ـ أي على المازري ـ ذلك إذا حملناها على التعليل" أ. هـ.

وثانيها: ما قاله الخطابي رحمه الله تعالى في: "معالم السنن": "وأما غَرْسه شِقّ العسيب على القبر، وقوله: "ولعله يخفف عنهما ما لم يَيْبسا" فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حَدَّاً لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه والله أعلم" أ. هـ.

وقد تعجَّب جماعة من الأئمة هذا الاستنكار من الخطابي، ومنهم القرطبي المالكي رحمه الله تعالى في: "التذكرة في أحوال الموتى والآخرة" وقال: "والعَجَب من الخطابي في قوله (لا أصل له) ولا وجه له مع هذا الحديث المتفق عليه" أ. هـ. المراد. بعد حكايته عن علمائهم أنه يُسْتفاد من حديث الجريد: غرس الأشجار، وقراءة القرآن على القبور وقال القاري الحنفي رحمه الله تعالى في: "مرقاة المفاتيح ": "وأما إنكار الخطابي وقوله: (لا أصل له) ففيه بحث واضح؛ إذ هذا الحديث يَصْلح أن يكون أصلاً له" أ. هـ. وقال السيوطي رحمه الله تعالى في: "شرح النسائي": "وقد رَدَّ النووي استنكار الخطابي وقال: (لا وجه له) " أ. هـ.

ويُرَدّ اعتراضُ الخطابي بما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري": "وليس في السياق أي: سياق الحديث ـ ما يَقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة، بل يَحْتمل أن يكون أمر به. وقد تأسَّى بريدة بن الحصيب الصحابي بذلك، فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان كما سيأتي في الجنائز من هذا الكتاب وهو أَوْلَى أن يُتَّبَع من غيره" أ. هـ.

وثالثها: ما حكاه القرطبي في: "المفهم" بقوله: "وقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم شفع لهما، ودعا بأن يُخفَّف عنهما، ما داما رطبين وقد دَلَّ على هذا حديث جابر الذي يأتي في آخر الكتاب في حديث القبرين، قال فيه: "فأحببتُ بشفاعتي أن يُرَفَّه عنهما ذلك ما دام القضيبان رطبين" ثم عَلَّق بقوله: "فإن كانت القضية واحدة وهو الظاهر ـ فلا مزيدَ على هذا في البيان" أ. هـ. وما حكاه قاله القاضي عياض في "إكمال المعلم" وعَدَّه ابن الملقن في: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" وجهاً من أوجه الحكمة في وضع الجريدتين على القبر.

ويُرَد ذلك بأن حديث جابر غير حديثنا_ حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَرَّره الحافظ في: "الفتح" بقوله: "وأما ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب أنه الذي قطع الغصنين، فهو في قصة أخرى غير هذه.؟ فالمغايرة بينهما من أوجه:

منها: أن هذه كانت في المدينة وكان معه صلى الله عليه وسلم جماعة، وقصة جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده.

ومنها: أن في هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش، وفي حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر جابراً بقطع غصنين من شجرتين كان النبي صلى الله عليه وسلم استتر بهما عند قضاء حاجته، ثم أمر جابراً فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً، وأن جابراً سأله عن ذلك فقال:" إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين" ولم يذكر في قصة جابر أيضاً السبب الذي كانا يعذبان به. ولا التَّرجّي الآتي في قوله: "لعله" فبان تغاير حديث ابن عباس وحديث جابر، وأنهما كانا في قصتين مختلفتين، ولا يَبْعُد تعدَّد ذلك" أ. هـ المراد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير