وبعد هذا، ألا يمكن القول بأن الأشاعرة من المسلمين المعصومة دماؤهم وأموالهم، وأنهم ذهبوا إلى التأويل واجتهدوا، وأنهم يقيمون الصلاة في اليوم والليلة خمس مرات، وأنهم يؤدون الزكاة ويصومون شهر رمضان ويؤدون فريضة الحج.
والأشاعرة لا تجد لهم شذوذات فقهية كما للمعتزلة والأباضية والشيعة وغيرهم من الفرق الضالة. وهم ملتزمون بفقه المذاهب الأربعة. ويعتمدون على الكتاب والسنة، ولو أنهم أخطأوا في فهم بعض النصوص فهم بشر غير معصومين. وكلنا يعرف علو قدر الباقلاني، الإسفراييني، إمام الحرمين الجويني، أبو حامد الغزالي، الفخر الرازي، البيضاوي، الآمدي، الشهرستاني، البغدادي، ابن عبدالسلام، ابن دقيق العيد، ابن سيد الناس، البلقيني، العراقي، النووي، الرافعي، ابن حجر العسقلاني، السيوطي، الطرطوشي والمازري والباجي وابن رشد "الجد" وابن العربي والقاضي عياض والقرطبي والقرافي والشاطبي والكرخي والجصاص والدبوسي والسرخسي والسمرقندي والكاساني وابن الهمام وابن نجيم والتفتازاني والبزدوي وغيرهم.
وكثير منهم يوافقون السلف في شيء و يوافقون الخلف في شيء آخر. كالقرطبي رحمه الله خالف في عقيدة العلو والاستواء وكالنووي وابن حجر في مسائل كثيرة كالاحتجاج بخبر الآحاد في العقيدة.
فهؤلاء وغيرهم يتوقف لساني من أن يقول فيهم أوعنهم كلمة لم يظن أحدهم أنه سيتهم بها أو يرمى بها بعد وفاته.
فكون أحدهم يقع في زلة وضلالة لا يعني بالضرورة أنه ضال مبتدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران فإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد". وهذا في الأصول كما هو في الفروع و فيه بحث طويل أطال ابن تيمية فيه النفس. فمن ذكرت من الأئمة والعلماء الذين وقع لهم القبول لا يخلون من الأجر والأجرين فكونهم وافقوا الأشاعرة لا يستلزم ضلالاهم وتبديعهم.
- ولقد قال ابن تيمية فى الفتاوى الكبرى عنهم: "أهل سنة فى المناطق التى لا يوجد فيها أهل الحديث" وأفتى بأنهم ليسوا من الفرق النارية. وقال السفارينى فى اللوامع: هم أهل سنة وجماعة.
- وقال الشهرستانى فى الملل والنحل: هم أهل سنة وجماعة وهم أصحاب الإمام الأشعرى.
- وقال ابن أبى العزِّ .. (معاصر ابن تيمية ورفيقه) .. مامفهومُه: أنهم أهل سنة وجماعة.
- بل إن شيخ الإسلام خرج معهم للجهاد وسماهم بالطائفة المنصورة وحتى الغلاة الذين سعوا في سجنه، لما خرج أراد السلطان بأن يفتك بهم فتشفع لهم شيخ الإسلام وقاله له: لو فقدتهم لن تجد مثلهم.
- وقال أيضاً عنهم: إنهم إما مجتهدون مصيبون فلهم أجران، وإما مجتهدون مخطئون فلهم أجر واحد، وإما مذنبون فالله يغفر لنا ولهم.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (و أما الأشعرية فلا يرون السيف موافقة لأهل الحديث، وهم بالجملة أقرب المتكلمين إلى مذهب أهل السنة والحديث. .) الفتاوى 6/ 55
** قال شيخ الإسلام: (. . فإنهم أقرب أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهم يعدون من أهل السنة و الجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم) نقض التأسيس 2/ 87
... قال كذلك رحمه الله: (ثم أنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، و تكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف. . .) درء التعارض 2/ 102 - وقريباً منه (مجموع الفتاوى 4/ 12 - 5/ 557 - 13/ 99).
**** و كان رحمه الله يعظم بعض العلماء الأشاعرة في عصرة ومن ذلك:
- قال السبكي الصغير (الابن): (و كان - ابن تيمية - لا يعظم أحداً من أهل العصر كتعظيمه له أي لوالده تقي الدين السبكي) طبقات الشافعية 10/ 194
- ذكر في ترجمة علاء الدين الباجي - وكان أشعرياً، أنه (لما رآه ابن تيمية عظمه، و لم يجر بين يديه بلفظة، فأخذ الشيخ علاء الدين يقول: تكلم نبحث معك، و ابن تيمية يقول: لا يتكلم بين يديك، أنا وظيفتي الاستفادة منك) السابق 10/ 342
***** ويبين كذلك بإنصاف مقدار ما انتفع الناس من الأشاعرة فيقول رحمه الله: (والأشعرية ما ردوه من بدع المعتزلة و الرافضة و الجهمية و غيرهم، و بينوا ما بينوه من تناقض، و عظموا الحديث و السنة و مذهب الجماعة، فحصل بما قالوه من بيان تناقض أصحاب البدع الكبار و ردهم ما انتفع به خلق كثير) مجموع الفتاوى 13/ 99
قارن أقوال شيخ الإسلام مع قول الكوثري في وصف ابن القيم الجوزية:
(ضال مضل زائغ مبتدع وقح كذاب حشوي بليد غبي جاهل مهاتر خارجي تيس حمار ملعون من إخوان اليهود والنصارى منحل من الدين والعقل بلغ في الكفر مبلغا لا يجوز السكوت عليه ... الخ)) (تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم).
رحم الله شيخ الإسلام.
وجزاكم الله خيرا.
¥