تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويبدو لي، بنظري القاصر، أن محاولة التعليل في إثبات الصفات الخبرية من شأنها أن تجر إلى مزالق عدة، تتراوح ما بين التأويل (بطريقة ملتوية) والتشبيه (وإن لم يلفَظ اسمه). وهل الصفات الخبرية (أو ما يسميه المتكلمون "الصفات الزائدة على الذات" (مثل: الوجه، والاستواء، والنزول .. الخ) وهي في مذهب السلف صفات لله نثبتها مثلما نثبت غيرها)، أقول: هل هذه الصفات قابلة للتعليل أو تقتضيه؟

الحمد لله تعالى.

تعليلها الصحيح أن نقول:

- الوصف بالوجه لا يستلزم شيئا من النقص والعيب، فإثباته لله تعالى لا محذور فيه؛

- والوصف بالاستواء لا يستلزم شيئا من العجز والقصور، فإثباته لله تعالى لا محذور فيه؛

- والوصف بالنزول لا يستلزم شيئا من النقص والسفول، فإثباته لله تعالى لا محذور فيه.

بل نقول:

- وجه الله تعالى ذو الجلال والإكرام، ما يحمد به صاحبه سبحانه؛

- واستواء الله تعالى على العرش هو استواء الرحمن على مرحومه، لا استواء العاجز على ما يحتاج إليه في حمل نفسه؛

- ونزول الله تعالى إلى ما شاء متى شاء هو نزول الملك الديان وقربه إلى من أراد به إحسانه أو استغفاره أو حساب أمره.

ولكي أكون أكثر وضوحا:

عندما تتكلم عن تنزيه الله تعالى عن أن يوصف بالأكل أو الشرب، تنطلق من صفتين ثابتتين له عز وجل هما كونه "الغني" والصمد"، ثم تشرح الصفة الثانية بأنها تعني "الذي لا جوف له" (وهذا اختيار منك لأحد معاني هذه الصفة، نسلِّم لك به في هذا الموضع، لأنه ليس مدار النقاش). وبعد ذلك تقول: [فبطريق الأولى والأحرى أن يتنزه الرب عن الكبد والطحال ونحوذلك، لأنها أعضاء الأكل والشرب - والغني المنزه عنهما: منزه عن آلات ذلك]!! وهذا الكلام، لست أدري من أين استقيته؟ فإضافة إلى كونه مناف تماما للقاعدة التي أصَّل لها شيخ الإسلام ابن تيمية في باب الصفات بقوله: " والله سبحانه وتعالى بعث رسله بإثبات مفصَّل، ونفي مُجْمَل"، فيه أيضا حجة للمخالف. فهذا الأخير سيورد عليك الاعتراض التالي: نفيت الكبد والطحال ونحو ذلك لأنها من آلات الأكل والشرب، وهذا من باب قياس الغائب على الشاهد. وهذا يستلزم أن تنفي اليد، لأنها أيضا من آلات الأكل!

هذه واحدة، ولنا إليها عودة في الأخير

هذا الكلام كلام شيخ الإسلام بحروفه في (التدمرية)، فلستُ مستقيه من أي مرجع غيره.

قلت: نحن ننفي الكبد والطحال ونحو ذلك لأن وظيفتها خدمة الأكل والشرب وتوابعهما ولا وظيفة لها إلا ذلك، والأكل والشرب يستلزمان الفقر والحاجة، وقد ثبت أن الله هو الغني الذي لا تفتقر إلى غيره بحال، وهو مع ذلك الصمد الذي لا جوف فيه لكماله المطلق الذي لا حاجة له إلى ما سواه. بل كل شيء ليه فقير. وليس هذا من قياس الخالق على المخلوق، بل هو من باب (نفي الملزوم لبطلان اللازم).

فليس بعد هذا أن يعترض علينا معترض فيقول مثلا: " اليد من آلات الأكل، فكيف تثبتونها للخالق؟ "، لأن هذا ليس فيه علاقة المطابقة ولا التضمن ولا اللزوم. بل اليد وظيفتها الفعل والعمل، والله لا يتنزه عن ذلك. بل قد ثبت أن الله فعل أفعالا بيديه الكريمتين - جل جلال.

المسألة الثانية تتعلق بقولك:

[هذا بخلاف اليد، فإنها للعمل والفعل - وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل،إذ ذاك من صفات الكمال] وفي الجملة اضطراب، ولعلك تقصد: فهي (أي: اليد) إذ ذاك من صفات الكمال. وهذا أيضا من باب تعليل إثبات الصفات الخبرية، وهو في هذا الموضع لا يستقيم. لماذا؟ إن خلفية هذا التعليل مبنية على قياس الغائب على الشاهد. فالشاهد (الإنسان) إذا كانت له يد، كان له فعل. وكلما كانت مواصفات يده أكمل، كان فعله أكمل. ولكن، تصور لو لم يرِد ذكر اليد في النصوص، هل كنا سننفي عن الله تعالى كمال الفعل والقدرة، لأن الفعل مرتبط باليد كما ذكرت؟ وحتى قياس الغائب على الشاهد في هذه المسألة لا يستقيم، لأن ارتباط الفعل باليد ليس دليل كمال في كل الحالات، بل الأكمل منه هو الفعل دون واسطة اليد. نصور إنسانا يحرك الأشياء بمجرد النظر إليها. هل هو أعجز أم أكمل من الذي يحركها بيديه؟ ثم تصور إنسانا آخر يحرك الأشياء بمجرد التفكير فيها .. ثم قل لي: من الأكمل؟ الأول؟ أم الثاني؟ أم الثالث؟ ثم إن استدلالك يؤدي أيضا إلى مأزق آخر، وهو كالتالي: ذكرت اليد وارتباطها بالفعل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير