تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والعمل، وقست الغائب على الشاهد في هذا، من حيث تدري أو لا تدري. ومن المعلوم لدى الشاهد أن له يدين (إحداهما اليمنى وأخرى اليسرى)، وأن التوازي والتناسق بين هذين العضوين هو الذي يسمح له بالفغل على الوجه الأفضل. فكيف سيكون شرحك إذن لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "وكلتا يديه يمين"؟!

* أولا: ليس في الجملة أي اضطراب، بل قول شيخ السلام (إذ ذاك) يعود إلى (العمل والفعل) لا إلى (اليد)، وهذا واضح من سياقه.

* ثانيا: ليس هذا التعليل بناءه على القياس، بل على النصوص والدلالة اللغوية. قال تعالى: (بل يداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء)، فذكر أنه تعالى يبسط يديه للإنفاق، والبسط في حد ذاته ليس نقصا. وقال: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون)، والعمل في حد ذاته ليس نقصا. وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (يطوي الله عَزَّ وجَلَّ السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول ... إلخ)، والأخذ والطي لا يستلزمان نقصا. وروي عنه عليه الصلاة والسلام: (خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليَمِين فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحُمم ... لخ)، والخلق والضرب لا يستلزمان نقصا. وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه، قال بيده وهما مقبوضتان: خذ أيها شئت يا آدم، فقال: اخترت يَمِين ربي، وكلتا يداه يَمِين مباركة، ثم بسطها ... "، وكذلك حديث ("يَمِين الله ملأى لا يغيضها نفقة ... وبيده الأخرى القبض؛ يرفع ويخفض)؛ فإن القبض والبسط والملء والبركة والرفع والخفض في حد ذاتها لا تستلزم شيئا من النقص والعيب.

* ثالثا: ليس الإنسان الأكمل الذي لا يقدر أن يفعل شيئا إلا بيديه، ولا الذي لا يقدر أن يفعل إلا بالنظر إلى مفعوله، ولا حتى الذي يفعل بمجرد التفكير من غير النظر ولا استعمال اليدين. بل الأكمل من يقدر أن يفعل بهذا وهذا وهذا. وكون الله تعالى خلق آدم وغرس الجنة وكتب التوراه بيديه الكريمتين ليس عجزا عن فعل تلك الأفعال مباشرة بقوله: (كن) فيكون. ولا يستلزم أن تكون أفعال الله تعالى مقتصرة فيما فعله بهذه اليد الكريمة. بل ذلك تفضيلا وتشريفا منه تعالى لبعض مخلوقاته من آدم عليه السلام، وجنة عدن دار السلام، واللوحة المكتوب فيها خير الكلام. ولا يخفى على مثلك الفرق بين " الاقتصار " وبين " التشريف ".

* رابعا: قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (وكلتا يديه يمين) بيانه في الحديث السابق الذكر: (لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه، قال بيده وهما مقبوضتان: خذ أيها شئت يا آدم. فقال: اخترت يَمِين ربي، وكلتا يداه يَمِين مباركة. ثم بسطها ... ". فليمن هو البركة، وكلتا يدا الله تعالى يمِين مباركة.

وكذلك قولك: [بخلاف الفرح والضحك: فإنه من صفات الكمال] لا يسلَّم لك به على إطلاقه، بل الفرح والضحك الملازم للكمال هو ما كان في موضعه، وعلى مقتضى الحكمة .. فقياس الغائب على الشاهد ليس مطردا، وغالبا ما يؤدي إلى مآزق عند اللجوء إليه. وبالعودة إلى مسألة اليد، وارتباطها بالفعل، وكون ذلك من صفات الكمال .. قد يعترضك معترض بالسؤال التالي: هل أثبت الله سبحانه وتعالى للملائكة فعلا وعملا؟ وستجيب حتما: نعم. ثم سيقول لك: هل للملائكة أيدي؟ وهنا قد تجيب .. وقد لا تجيب .. وإذا قلت: هناك ملائكة لهم أيدي، بدليل قوله تعالى: (بأيدي سَفَرَةٍ. كرامٍ برَرَةٍ). قد يعترض عليك بقوله تعالى: (الحمد لله فاطرِ السماوات والأرض جاعلِ الملائكةِ رسُلاً أولي أجنحةٍ مثنى وثُلاثَ ورُباعَ، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير)، ثم قد يسألك: ما الأكمل؟ الأيدي؟ أم الأجنحة؟ ثم قد يسألك: هل للجن أيدي؟ وإذا لم تكن لهم أيدي في أصل الخلقة، فهل يعني ذلك نفي الفعل والعمل عنهم؟ ... إلخ.

أولا: نحن لا نثبت صفتى (الفرح) و (الضحك) لله تعالى بصيغته المطلقة بشرط الإطلاق مبتورا عن سياقة التحميدي. بل نقول مثلا: (الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عبده فرحًا عظيمًا)، ونقول: (لا نعدم من رب يضحك كرما وخيرا وجودا). وفيه إثبات حمد وكمال كما لا يخفى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير