تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحفاظ ويتخيل من عنده مستندهم في القول بذلك، ثم يرجع إلى هذا المستند المتخيّل فيهدمه، وخاصة عندما يعرب عن جهله بألفاظهم ومعانيها، فينسب لهم ما نفوه كما فعل عدنان عبد القادر في رسالته: " عدم حجية رواية عبد الله بن شقيق ... " حيث زعم أن الحافظين إنما اعتمدا في القول بذلك مما اعتمداه رواية البخاري ومسلم عن الجريري من طريق بشر، كما في ص (16) من رسالته، مع أن الحافظين لم يذكرا هذا، بل ابن حجر بين بكلامه عدم اعتماده في هذا على ما أخرجه البخاري، فلِمَ الجهل؟!

وبخاصة أن البخاري ومسلما لم يحتجا برواية بشر عن الجريري، والحافظان ابن رجب وابن حجر من أعلم الناس بالبخاري وصحيحه، وشرحاهما العظيمان من أعظم الشروح ولا تخفى عليهما هذه الحقيقة الواضحة، فيجيء مثل هذا الطالب ويتفلسف عليهما بما هما أعلم به، وبما لم ينصا على خلافه! فلِمَ مثل هذه المغالطات الواضحة؟

وسيأتي الرد عليه مفصّلا عقب هذه المادة والله المستعان.

ثانيا: إدراك بشر لأيوب وسماعه منه

قال أبو عبيد الآجري في سؤالاته (339):

سمعت أبا داود يقول: " أرواهم عن الجريري إسماعيل بن علية، وكل من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد "

والمراد كل مَن سمع مِن أيوب، وبشر بن المفضل قد ثبت سماعه من أيوب وذلك من طريقين:

الأولى: روايته عنه بالعنعنة.

فقد جاءت أكثر من رواية لبشر عن أيوب معنعنة، وكان قد أدرك أيوبا، فقد مات بشر سنة سبع

وثمانين ومائة، وقال الإمام الذهبي في السير (9/ 38):

" قلت كان من أبناء الثمانين "

أي أنه ولد سنة سبع ومائة تقريبا، وأيوب إنما مات في الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة بالإجماع كما في الطبقات الكبرى (7/ 251).

وهذا يعني أن بشر بن المفضل كان عمره أربعا وعشرين سنة تقريبا عندما مات أيوب، وكلاهما من أهل البصرة، فسماعه منه تشهد له كل القرائن، فإمام كأيوب كيف يُتصوَّر أن يتركه تلميذ نجيب كبشر؟

ومثل هذه الصورة ينبغي أن يحمل فيها ما جاء معنعنا من بشر عن أيوب على أنه متصل وأنه سماع، لأن بشرا ليس بمدلس، ولأن السماع تشهد لصحته كل القرائن، من تواجدهما في بلدة واحدة وهي البصرة، وقد كانت بلا شك صغيرة بالنسبة لما عليه الآن، وأيضا من اشتغالهما بالرواية في مدة مشتركة لا تقل عن عشر سنوات، فلا بد لتلميذ مجتهد كبشر أن يكون قد سمع من شيخ مكثر كأيوب

وقد كان من أئمة هذا الشأن، ومن أشدهم تحريا للسماع كالإمام البخاري والإمام أحمد ينصون على السماع عندما يجدون قرائن قوية تدل عليه، ولو لم يقفوا على سماع صريح للراوي، ففي العلل الكبير للترمذي (437) ص (241) أنه قال:

" سألت محمداً [يعني البخاري] عن هذا الحديث [حديث أبي واقد ما قطع من البهيمة] فقلت له: أترى هذا الحديث محفوظا؟

قال: نعم

فقلت له عطاء بن يسار أدرك أبا واقد؟

فقال: ينبغي أن يكون أدركه، عطاء بن يسار قديم " ا. هـ

فالبخاري لم يقف على سماع صريح، وإنما حكم به بناء على قرينة القِدم، ولأجل هذا حكم على الحديث بالصحة، ومثله الإمام أحمد، فقد سئل كما في العلل ومعرفة الرجال (3/ 284):

" هل سمع عمرو بن دينار من سليمان اليشكري؟

قال: قتل سليمان في فتنة ابن الزبير، وعمرو رجل قديم، قد حدت شعبة عن عمرو عن سليمان وأراه قد سمع منه " ا. هـ

فاعتمد في الحكم بالسماع على القرائن لا التصريح بالسماع، ونحوه ما جاء في علل الترمذي شرح ابن رجب (2/ 599):

"وسئل [أي أحمد] عن أبي ريحانة، سمع من سفينة؟

قال: ينبغي، هو قديم، قد سمع من ابن عمر " ا.هـ

وقد حاول الإمام ابن رجب تأويله إلا أنه صريح في اعتماد الإمام أحمد على القرائن في إثبات السماع، وهذه النقول وإن كانت لا تعني العمل بما عليه الإمام مسلم من شرط الاتصال، إلا أنها تدل على أن القرائن متى قويت في الدلالة على السماع ولم يثبت ما يعارض الحكم بها وقوي الظن عند الباحث بذلك فإنه يحكم بالسماع، ولا يعد مخالفا لمذاهب الأئمة في شرط السماع.

وعليه فبشر إن شاء الله ممن يحكم له بالسماع من أيوب لقوة القرائن والله أعلم

هذا على فرض عدم الوقوف على تصريح بالسماع، فكيف وقد ثبت سماعه من أيوب بالصريح كما سترى إن شاء الله، فلا شك أن سماعه من أيوب ثابت والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير