فما اتفق عليه بشر وعبد الأعلى أقرب إلى الصواب مما تفرد به ابن علية وجاء من طريق المروذي،
ولا يلزم من هذا رمي رواية ابن علية بالوهم، فعند مقارنة الروايات نجد أن رواية ابن علية احتوت على معنى أقل مما جاء في رواية بشر وعبد الأعلى، وهذا يقوي احتمال أن تكون رواية مختصرة، أو أن تكون رويت بالمعنى، وبالتالي فكل حفظ وروى ما سمع إلا أن رواية ابن علية كانت مختصرة أو مروية بالمعنى، بخلاف رواية بشر وعبد الأعلى فهي أتم، وقد كانت الرواية بالمعنى منتشرة في ذلك العهد، حتى إنه صح عن الإمام ابن سيرين أنه قال كما في مصنف عبد الرزاق (11/ 327):
" كنت أسمع الحديث من عشرة، اللفظ مختلف والمعنى واحد " ا. هـ
لكثرة الرواية بالمعنى، وهذا يوجب الحكم على كل زيادة في المعنى بالصحة مادام أنها عريت عن أوصاف الشذوذ 0
وعلى كل حال فلا يمكن لأي أحد أن يتصور أن رواية الثقتين بشر وعبد الأعلى هي المرجوحة والشاذة ورواية ابن علية لوحده هي الثابتة والمحفوظة
لأن من المعلوم عند المشتغلين بعلم الرجال أن درجة الثقة والتثبّتِ والضبطِ التي يُمَثّلها اثنان بمنزلة الإمامين بشر وعبد الأعلى، هي أرفع بكثير من الدرجة التي يُمَثّلها ثقة واحد كابن علية، مهما كان ثبتا، وعليه فرواية بشر ثابتة محفوظة والله أعلم (7)
ولم يختلف أهل العلم في صحة رواية بشر بن المفضل وثبوتها، ولم يعلها أحد منهم، فقد صوبها كل من:
1ـ محمد بن نصر المروزي عندما احتج بها في كتابه تعظيم قدر الصلاة
2ـ الحاكم أبو عبد الله في المستدرك (1/ 48) فقد رواها مستدركا بها على الصحيحين
3ـ الإمام ابن قدامة في المغني (2/ 157) حيث ذكرها ضمن أدلة المكفرين ثم أوّلها، والتأويل فرع التصحيح
4ـ المنذري، في الترغيب والترهيب (810) (6/ 214) بسكوته عليها، وقد ذكر في مقدمته أن ما سكت عنه فهو ثابت عنده.
5 ـ النووي، في المجموع شرح المهذب (3/ 18) وفي رياض الصالحين (263) حيث قال عن إسنادها: " إسناد صحيح "
6ـ شيخ الإسلام ابن تيمية في مواطن من كتبه، حيث احتج بها كثيرا
7 ـ الزيلعي في " تخريج الأحاديث والآثار " فقد ساقها بإسنادها ثم قال: "وهؤلاء رجال الصحيح " (1/ 204)
8 - الإمام الذهبي حيث احتج بها في الكبائر ص (10ـ22)
9ـ أبو زرعة العراقي في طرح التثريب (2/ 141)
10ـ السخاوي في الأجوبة المرضية (819)
11ـ السيوطي في شرح ابن ماجة (1/ 175)
12ـ العلامة الألباني في صحيح الترغيب ص (367)
13ـ العلامة ابن باز عندما صحح إسنادها في فتاويه الجزء العاشر من مجموع فتاوى و مقالات
فلا يلتفت بعد هذا إلى أقوال صغار العلم والفهم، وخاصة عندما تستحضر أن رواية بشر المذكورة إنما هي سياق كامل، وليست لفظة قد يتصور خفاء أمرها على هؤلاء الجبال، فمثل هذا السياق مما يتضح الحال فيه عند كل ناظر لو كان ثمة شذوذ، إذ الْمَعْنِي بالكلام هو جل ألفاظ الأثر والتي تمثل السياق المذكور، بخلاف ما إذا كان الْمَعني لفظة واحدة، فقد تختفي بين الألفاظ ولا ينتبه لأمرها كل ناقد
وعليه فمما لا يُقبل، أن يدَّعي مدع بأن شذوذها قد انطلى على أولئك الأئمة، وإذا بطل هذا اتضح لك أن اجتماعهم على ثبوت الرواية دليل قاطع على بطلان ذلك الشذوذ المزعوم والله أعلم
وإذا ثبت الأثر فعبد الله بن شقيق العقيلي تابعي كبير، عده ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة وسمع مباشرة ما يقرب من ثلاثة عشر صحابيا أو أكثر وروى عنهم، منهم كبار الصحابة كعمر وعثمان وعلي وأبي ذر، وأدرك المئات منهم
هذا التابعي الكبير (المتفق على جلالته) كما يقول النووي، روى عن عامة الصحابة القول بكفر تارك الصلاة كما هو صريح الأثر
أما أن الكفر المذكور هو الكفر الأكبر، فهذا ما لا يحتمل الأثر سواه، ولذلك منع شيخ الإسلام من
جواز القول بغيره فقال كما في شرح العمدة (2/ 82):
" الرابع: أن قوله: " ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة "، وقوله: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة " لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الأعظم، لأن بينه وبين غير ذلك مما يسمى كفرا أشياء كثيرة.
ولا يقال فقد يخرج عن الملة بأشياء غير الصلاة.
¥