4ـ أن ذلك القول المزعوم مخالف لظاهر الأثر، حيث لم يأت في شيء من ألفاظ الأثر ما يدل على التفريق بين حكم الأعمال وحكم الصلاة من جهة نقل الإجماع، فظاهر الأثر أن قول عامة الصحابة شامل للحكمين (ترك شيء من الأعمال) و (ترك الصلاة) بدليل أن الاستثناء الذي تعلق به ذلك المدّعي لم يقع إلا على الحكم لا على القائلين به، فجاء في الأثر:
" غير الصلاة "
أي أن تركها كفر دون بقية الأعمال، فاستثنى مِن حكمهم بعدم كفر ترك شيء من الأعمال، استثنى ترك الصلاة بأنها في حكمهم كفر، ولم يستثن منهم أحدا، فبقي إجماعهم على ما هو عليه، هذا الذي يوجبه ظاهر الأثر، فتبين أن ذلك التأويل مخالف للظاهر
والظاهر كما هو معلوم (ما يتبادر إلى الذهن من اللفظ قبل غيره) فالذي يتبادر إلى الذهن من لفظ الأثر هو نقل ما في الأثر من أحكام عن عامة الصحابة، سواء حكم ترك أي عمل أم حكم ترك الصلاة
ولا يوجد في ألفاظ الأثر ما يجعل ذلك التأويل متبادرا إلى الذهن، بل لا يوجد في ألفاظه ما يجعله يخطر في الذهن فضلا عن أن يكون متبادرا.
والدليل على هذا أنك لو قرأت الأثر على أي طالب علم، أو سألت أي مشتغل بالعلم ممن قرأ الأثر، ما الذي تفهمه من ظاهر هذا الأثر؟
لما تردد في القول بأن ظاهرَه نقلُ اتفاق الصحابة على كفر تارك الصلاة، كما هو في نقل اتفاقهم على
عدم كفر ترك شيء من الأعمال الأخرى.
أما ذلك المعنى المزعوم فلا يرد على ذهن أحد إلا بعد التلقين، ولو سألت هذا المتعسف نفسه عن أول معنى تبادر لذهنه عند اطلاعه على هذا الأثر، لأجابك بأن اتفاق الصحابة على الأمرين هو المعنى الذي تبادر إلى ذهنه، بل إن هذا كان مستقرا في ذهنه لفترة، ولو أنصف لاعترف بأن ذلك المعنى المزعوم لم يطرق ذهنه إلا بعد بحث عن تأويل، واستغراق في التفكير للخروج بمعنى يَفِرُّ به من محاجة المكفرين لتارك الصلاة له.
ويكفي تواردُ أهل العلم على المعنى المذكور آنفا واتفاقُهم عليه دلالةً على أنه هو الظاهر
وبهذا يسلم أثر عبد الله بن شقيق من ذلك التأويل المستنكر، ويبقى دالا على أن أصحاب رسول الله عامتهم يرون أن الصلاة ـ من دون سائر الأعمال– تركها كفر كما استدل به أهل العلم، وهذا ما دل عليه أثر جابر السابق.
وبذلك يتقرر إجماع الصحابة على القول بكفر تارك الصلاة، لأنه مع نقل الاتفاق لم يثبت عن صحابي واحد يخالف هذا، بل أكد هذا الاتفاق عن الصحابة جماعة من التابعين وتابع التابعين كما سيأتي، وصح عن كثير من أفرادهم، وهو ما سنوضحه في المباحث التالية بعد ذكر الأثر التالي
ج ـ أثر الحسن البصري.
قال رحمه الله:
" بلغني أن أصحاب محمد كانوا يقولون: " بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يترك الصلاة من غير عذر".
الأثر أخرجه الخلال في السنة (1372) وابن بطة في الإبانة (877) واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1539) كلهم من طريق محمد بن جعفر قال: ثنا عوف عن الحسن به
وهذا إسناد صحيح عن الحسن
ووقع تصحيف في الإسناد عند اللالكائي
وها هو الإمام الحسن البصري التابعي المعروف، يؤكد لنا ما رواه جابر وعبد الله بن شقيق عن صحابة رسول الله، مِن أن المستقر عندهم في شأن تارك الصلاة هو الكفر.
فهو شاهد قوي لذلك، لأنه وإن كان بلاغا فهو صحيح ثابت عن الحسن، وإمام كالحسن البصري وفي طبقة كهذه من القرب بعهد الصحابة رضي الله عنهم، لابد أن يكون لروايته نوع قوة، فهو من علماء التابعين بل من كبار علمائهم، وأدرك المئات من الصحابة، فعنه أنه قال رحمه الله:
" لقد غزونا غزوة إلى خراسان ومعنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكان الرجل منهم يصلى بنا " ا. هـ
فهو على شيء من الدراية بهم وبمذاهبهم، ولو كان نقل إجماعهم على كفر تارك الصلاة منكرا فإن هذا لا يخفى عليه، ولما نقله بهذه الطريقة، فنقله شاهد قوى لما تقدم والله أعلم
الجهة الثانية: المشتملة على القرائن المؤكدة لصحة الإجماع.
هذه هي الجهة الثانية، والتي يمكن من خلالها لوحدها إثبات إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، فكيف إذا ضممنا إليها ما تقدم؟
وتشتمل على الآثار التالية:
1ـ أثر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
¥