تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله – وهاهو يأتينا بكلام الدكتور موراني حول اختلاف نسخ المدونة.

فأقول: الحديث في هذا طويل، ومحمد الأمين لا يعرف هذا الأمر، لأنه ليس له اعتناء بكتب أهل العلم المطبوعة – وخاصة كتب المالكية - فكيف به مع ما غاب عنه من المخطوط منها، وقد كنت قد بدأت في كتابة رد على الدكتور موراني في هذا، ثم تركته لما رأيت المباحثة معه توقفت.

ولكن ليكن معلوما لدى محمد الأمين أن هنا أشياء ينبغي أن يتفطن لها، قد سبقت الإشارة إلى بعضها:

أولا: الحديث عن اختلاف النسخ في الكتب الفقهية، واتهام أهل العلم بأنهم من قام بتغيير ذلك، يجر إلى الحديث عن كتب السنة في هذا، لأن النقلة في الغالب هم هم، و بعض الاختلاف كما في كتب الفقه هو في كتب السنة، ولهما أسباب يعرفها أهل العلم جيدا، و الدقة في ضوابط حفظ السنة هي نفسها المستعملة في حفظ كتب الفقه.

يقول أحد الباحثين المجدين: (واكبت حركة التصنيف الفقهي حركة مهمة لتدويل الكتب والمصنفات وإيصالها إلى مجالس الدرس في كل الأقطار والأمصار.

وقد انتهض لهذه المهمة علماء الرحلة وطلابها، إذ كانوا السبب في التواصل العلمي وكانوا الشريان الحي الذي يوصل المعرفة الفقهية، ويربط بين أطرافها في المشارق والمغارب، وهم الذين يذكرون في أسانيد كتب الفهارس والمعاجم والمشيخات والبرامج.

وكان الدرس العلمي يعتمد تدريس الكتب والمصنفات بشكل أساس، مما أعطى لعمل الجلابين لها موقعا مهما في عملية التعليم والتصنيف معا، قال الشاطبي: «وإذا ثبت أنه لا بد من أخذ العلم من أهله فلذلك طريقان: أحدهما المشافهة .. الطريق الثاني مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين وهو أيضا نافع في بابه» الموافقات 1/ 96 - 97.

ونظرا لموقعها الخطر فإن الخدمة الروائية للمصنفات لم تكن سائمة الحركة ولا طليقة العنان، بل كان وراءها نقد علمي صارم ومتابعة جادة مستندة إلى معايير الرواية في القبول والرد التي أسسها علماء الحديث.

وقد كان لعلماء الرحلة وطلابها - الذين يدخلون المصنفات إلى أقطارهم- من القيمة والاعتماد في أخذها عنهم ما يحدده له ضبطهم ومروءتهم معا.

وقد صنفت لنا هذه المعايير درجات من رواة الكتب متراتبة وفق درجاتهم في الضبط والتحصيل والخلق والعدالة.

فكل العلماء الذين يتصلون بالمصنفات سماعا وإسماعا أو جلبا وإيرادا، كانوا موضوعين تحت عين الرقابة العلمية، بحيث تعتمد المصنفات في مجالس الدرس بقدر تحقيقها لشروط النقل السليم.

ولذلك لم تكن المصنفات على درجة واحدة من الاعتماد والتداول في مجالس الدرس وطبقات السماع، بل كان هناك نسخ معتمدة وأخرى أقل اعتمادا وثالثة مهملة، حسب خضوعها لمعايير الرواية.

ومن خلال استقراء المصطلحات المستعملة من طرف العلماء في مجالس تناقل المصنفات الفقهية وتقويم رجالها ودرجات عملهم، يمكننا أن نقارب المعايير التي أسندت أحكام النقاد على المصنفات وحركتها في المدارس، وفق خمس في مراتب في التعديل، وهي على التقريب كما يلي: (1 - الضبط 2 - الثقة 3 - العلم 4 - جودة الخط 5 - العلو أو بعض الميزات الخاصة للمصنف المسموع .. ). - هذا الاستقراء قمت به من خلال كتاب تاريخ العلماء والرواة بالأندلس لابن الفرضي ثم من صلته لابن بشكوال ولكتاب جذوة المقتبس للحميدي، وهي كلها نماذج محصورة في المجال الأندلسي -.

وهكذا كانت أرقى درجات الرواية ما استجمع هذه الشرائط أو أغلبها، ثم ما كان أقرب إلى كمالها.

-1 - وقد عرف التقويم العلمي أفرادا من العلماء تحققت فيهم جل هذه الشروط، وكانوا على درجات عليا من الوثوق، مما أدى إلى أن عددا من المصنفات كانت تمر أسانيدها عليهم، مهملة أسانيد أخرى موازية لم تلق نفس التعديل والاعتماد).

ثم ذهب الفاضل يمثل لمن اتصف بصفات القبول عند أهل العلم، وبعد ذلك عرج على بعض أناس وصفوا بغير ما يجب أن يكون عليه نقلة تلك الأسفار العظام.

قلت: وكمثال على ما سبق ولبيان دقة أهل العلم في هذا الأمر = فقد جاء في ترجمة إبراهيم بن محمد بن باز - الذي جاء ذكره في مسألتنا هذه في كلام القاضي عياض في التنبيهات – (كان فاضلا زاهدا حافظا للمذهب متقنا له، ربما قرئت عليه المدونة والأسمعة ظاهرا فيرد الواو والألف) المدارك 4/ 443.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير