تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانيا: في المسألة المشار إليها عندنا ثلاثة كتب الأول: الأسدية الكتاب الثاني: المدونة، الثالث: تهذيب البرادعي للمدونة.

أما الأسدية: فهي لأسد بن الفرات بن سنان القروي ت 213 هجرية، أحد تلاميذ الإمام مالك، جاءه من القيروان بعد أن تحصل على شئ غير قليل من الفقه الحنفي على أساتذته بها، وكان شغوفا بالعلم حريصا على كثرة الأسئلة، مكثرا من الأسئلة الافتراضية التي كان الإمام لا يحب الإكثار منها، فلما رأي منه الإمام ذلك، وعلم حرصه وحبه للعلم، قال له إن أردت ذلك فعليك بالعراق، وهناك كانت له صولات وجولات مع تلميذ أبي حنيفة الفقيه محمد بن الحسن – رحمه الله -، فجمع عنه الكثير من المسائل، بعد محاورات ومناقاشات طويلة، ودون كل ذلك، قال القاضي في المدارك 3/ 295: (قال محمد بن حارث وأبو إسحاق الشيرازي ويحيي بن إسحاق – وبعضهم يزيد على بعض -: رحل أسد إلى العراق فتفقه بأصحاب أبي حنيفة، ثم نعي مالك فارتجت العراق لموته، قال أسد: فوالله ما بالعراق حلقة إلا وذكر مالك فيها، كلهم يقول مالك، مالك، إنا لله وإنا إليه راجعون. [/ CENTER]

قال أسد: فلما رأيت شدة وجدهم عليه، واجتماعهم على ذلك ذكرته لمحمد بن الحسن، وهو المنظور فيهم، وقلت له لأختبره: ما كثرة ذكركم لمالك على أنه خالفكم كثيرا؟

فالتفت إليّ وقال لي: اسكت، كان والله أمير المؤمنين في الآثار.

فندم أسد على ما فاته منه، وأجمع أمره على الانتقال إلى مذهبه فقدم مصر). تدبر هذا جيدا يا محمد الأمين حتى تعلم مكانة الإمام عند أهل العراق.

قلت: وهناك دُلّ على ابن القاسم أفقه تلاميذ مالك وأكثرهم له ملازمة، فعارضه ما دونه في العراق، وكان قد كتب بأسئلة صيغت صياغة عراقية، ولب جوابها من فقه الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – فأجابه ابن القاسم – رحمه الله – بفقه مالك وأهل المدينة. وطلب منه في نهاية المطاف أن يعرض جوابه على أصوله المسموعة، ليحرر الروايات ويدقق السماع.

ولما عاد أسد بما حمل من علم إلى القيروان سرعان ما انتشرت كتبه بين الطلاب، وحصل لأسد بسببها رئاسة عظيمة، وتنافس بعضهم على نسخها وسماعها، بينما أنكر آخرون ما أتى به أسد بن الفرات، وقالوا: ( ... جئتنا بإخال وأحسب، وتركت الآثار وما عليه السلف).

قال بعض الأفاضل: (إلا أن الأسدية وبالرغم من الجهد المبذول فيها حوت نقائص كان لا بد من استدراكها، وأهم ما لوحظ عليها من ذلك ما يلي:

- نقص التوثيق النقلي، إذ الراجح أن ابن القاسم أملى جلها من حفظه لمسموعاته عن مالك، بدليل أنه «أجاب فيما حفظ من قول مالك بقوله، وفيما شك بإخال وأحسب وأظن .. » وبدليل أن ابن القاسم طلب من أسد مقابلة الكتاب بعد تمامه بأصوله المسموعة، استدراكا للخلاف والوهم.

- الاختلاط، فقد كانت الأسدية غير تامة التبويب.

- نقص الآثار والحديث).

قلت: فانبرى لإكمال هذا النقص الإمام سحنون بن سعيد – رحمه الله – والذي أنجز عمله فيما عرف بعدُ بالمدونة التي هي عمدة فقه المالكية بعد الموطأ، فقد أخذ – رحمه الله – نسخة من الأسدية ورحل بها إلى ابن القاسم في مصر، وقد تم عمله هذا على مرحليتين:

(المرحلة الأولى: رحل فيها سحنون إلى ابن القاسم لإتمام التوثيق النقلي والمقابلة بأصول سماعات ابن القاسم، قال: "فأخذ الكتب مني، ونظر إليها وتصفحها، وضرب على كثير منها وأبدل كثيرا". أخبار الفقهاء والمحدثين بالأندلس ص: 271."فبدأ بالسماع عليه حتى استكملها، وأسقط منها ابن القاسم: وأظن مالكا قال في هذه المسألة كذا وكذا، وإخال مالكا قال كذا وكذا، وقال لابن القاسم: ما وقفت عليه من قول مالك كتبته، وما لم تقف عليه تركته، وتكلمت فيه بما يظهر لك من ذلك، والله يعينك. فأجاب عبد الرحمن إلى ذلك وتمم له ما أراد". رياض النفوس 1/ 263.

وكان سحنون بمستوى رفيع من العلم ودرجة عليا من الفقه استطاع بها أن يتعاون مع ابن القاسم بأدوات علمية تامة، قال ابن حارث: «رحل سحنون إلى ابن القاسم وقد تفقه في علم مالك، فكاشف ابن القاسم من هذه الكتب مكاشفة فقيه يفهم، فهذبها مع سحنون». ترتيب المدارك 2/ 298.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير