تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم يقول محمد الأمين: وكان الإمام مالك يروي الحديث الصحيح ثم يقول: "ليس على هذا العمل"، دون توضيح السبب. قلت: صغار الولدان في المدارس يعلمون من طريقة مالك – رحمه الله – تقديمه للعمل بالمدينة إذا خالف الخبر، فإن لم يكن هذا توضيحا للسبب عند محمد الأمين، فهو توضيح مشهور للسبب عند أهل العلم، منذ عرف الناس مالكا ومذهبه، أما كونه مسلّما له أو غير مسلّم، فذلك أمر آخر.

ثم قال: ويبرر ذلك المالكية بأنه يعتقد أن الحديث منسوخ لتعارضه مع عمل أهل المدينة. مع إقرارهم في بعض الحالات بعدم وجود الناسخ. وهذا محال، فكيف يحفظ الله لنا الحديث المنسوخ، ولا يحفظ لنا الحديث الناسخ؟!

قلت: التعميم من الأخطاء المنهجية التي تكثر في كلام محمد الأمين، فليس كل المالكية يعللون رد الأحاديث المعارضة للعمل بذلك، بل هذا يقع من البعض اجتهادا، ويوردونه احتمالا، ويعلل غيرهم ذلك بطريقة أخرى.

أصحها أنه يقدم العمل بالمدينة عملا بقاعدة تقديم أقوى الدليلين عند التعارض.

ثم أردف محمد الأمين هذا التعميم الظالم بما قصده ابتداء من كلامه هذا كله، وهو التشنيع على مالك وأتباعه في مسألة شريفة لا يحسن محمد الأمين فهمها ولا الحديث فيها أصلا، وأخذ يجلب من مشاركات بعض أعضاء الملتقى في موضوع (التعارض بين نص وإجماع) الذي كتبه الأخ الأزهري السلفي = ما يظنه محصلا لمقصوده. وفي كلام الإخوة المشاركين في ذلك الموضوع رد كاف على كلامه هذا.

ثم قال: وقال العلامة ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4

188): «وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة. وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله ?». وقال الإمام ابن حزم في الإحكام (4

549): «إجماع الناس على خلاف النص الوارد -من غير نسخ أو تخصيص له وَرَدا قبل موت رسول الله ?- فهذا كفر مجرد».

فلو طالبته بنص عن بعض علماء المالكية يدعون فيه الإجماع مقابل نص صحيح صريح من السنة = لكاع ولم يجد إلى ذلك سبيلا، أما مقابل دعوى إجماع أهل المدينة فذلك أمر آخر، وهو غير كلام ابن حزم وابن القيم الذين يحتج بهما الآن.

ثم قال:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (33

94): «وقد نُقِلَ عن طائفة كعيسى بن أبان، وغيره من أهل الكلام و الرأي من: المعتزلة، وأصحاب أبي حنيفة، و مالك: "أن الإجماع ينسخ به نصوص الكتاب والسنة". وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن الإجماع يدل على نص ناسخ. فوجدنا من ذَكَر عنهم أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخاً. فإن كانوا أرادوا ذلك، فهذا قول يجوز تبديل المسلمين دينهم بعد نبيهم كما تقول النصارى».

قلت: هذا وما قبله عن ابن القيم وابن حزم نقله محمد الأمين من مشاركات بعض الإخوة، وليس له فيه إلا النسخ واللصق وسوء الفهم فقط لا غير.

ثم زيادة في بيان سوء فهمه، و زيادة في قصد التشنيع على الإمام وضع خطا تحت اسم الإمام، ليفهم القارئ لكلامه أن الإمام مالكا نفسه بشحمه ولحمه يقول بذلك، وهذا من الباطل المقطوع به - إن شاء الله – لأسباب لا تخفى على من له أدنى مسكة من عقل. أقربها أن هذا لو صح لكان من أهم ما ينقله علماء الأصول في كتبهم، ولكن لا تجد له أثرا عن الإمام فيها، فدل ذلك على بطلانه قطعا. ولو وُجد عنه أو عن غيره من أهل السنة = لكان محمولا على أن الناسخ هو مستند الإجماع، أو أن النسخ مراد به رفع دلالة العام والمطلق ... كما هو معروف من إطلاق بعض السلف للنسخ والمراد به ما ذكر، وهذا يعرفه كل طلبة العلم الذين جالستهم واستفدت منهم.

وفوق ذلك هو ليس قولا لأحد من علماء المالكية المعروفين، ولا قولا لأغلب أصحاب أبي حنيفة – رحمه الله – فضلا أن يكون لكلهم، ولو كان لذكر في كتبهم، وأشاروا إليه في مباحثهم، وكتب الأصول كلها مصرحة بأن قول الجمهور: إن الإجماع لا يُنْسَخ ولا يَنْسَخ، بل الناسخ هو مستند الإجماع، وشيخ الإسلام - رحمه الله – كان دقيقا إذ ذكر ذلك بصيغة المجهول التي تدل على ضعف المنقول غالبا. وقال: فإن أرادوا ذلك ... وهذا شك في مرادهم، فهل لعاقل أن يبني على ذلك وينسب هذا لأئمة الإسلام على وجه القطع؟!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير