الحق أنه لم يلتجئ إليهم إلا لاعتقاد فيهم النفع والضر. فإن ما في القلب من اعتقاد فاسد قد عبر عنه اللسان فصار يلهج بنداء غير الله: أغثني يا رفاعي , المدد يا جيلاني , شيء لله يا سيد دسوقي , ثم عبر عنه العمل فصار يقبل جدران القبور ويمسحها بيده ويذبح النذور عندها. نسأل الله السلامة.
وبهذا يفهم أنه لا يجوز الاستغاثة بغير الله فيما يقدر عليه الله وأيضاً لا يجوز التلبيس بن الاستغاثة والتوسل ليوهم بها الجهال.
وبعد إيضاح معنى الاستغاثة وما يترتب عليها:
نعرج إلى أمر مهم وهو يتضمن الاستغاثة ألا وهو الدعاء.
فعندما حصرنا الزميلة في باب الاستغاثة وشركه أتت تدندن بأن ما تقوم به هو نداء لا دعاء.
اما قولك أن ما تقومون به عبارة عن نداء , نسأل الله السلامة.
فسوف أبين لك من هو الغياث قبل تبيان ما أشكل
أعلمي هداك الله للحق أن لا إله إلا هو = لا غياث إلا هو. عند شيخك البيهقي.
فقد قال البيهقي: [ومن أسمائه الغياث ومعناها: المدرك عباده في الشدائد. قال الرسول: (اللهم أغثنا اللهم أغثنا)] الأسماء والصفات 88 "
أقول: ليس هناك دليل يعتمد عليه في كون الغياث اسما من أسماء الله , وهناك فرق بين إطلاقه على الله خبرا وبين أن يكون اسما , لأن أسماء الله توقيفية.
وأقول: انتم تتوجهون بالاستغاثة إلى من كان يستغيث الله وحدة فكيف يكون من بين المستغيثين من يكون غياثأً للمستغيثين في آن واحد.
والله وحده غياث المستغيثين مطلقاً لا يستثنى من ذلك نبي ولا ولي. وقال القرطبي عند شرح اسم الله (غياث المستغيثين) [يجب على كل مكلف أن يعلم انه لا غياث ولا مغيث على الإطلاق إلا الله] الاسنى شرح الأسماء الحسنى 1/ 287
وبهذا نبين نوع آخر من الشرك بأنكم جعلتم غياث للمستغيثين آخر غير الله.
وسوف أعرج على أن ما تقولون به هو الدعاء. لا النداء فالنداء لا يستلزم الافتقار والتذلل بعكس ما تقومون به من الدعاء. فقد قال شيخكم الزبيدي: (أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل والافترار) إتحاف السادة المتقين 5/ 29.
أقول: بل زدتم على ذلك يازميلة وجعلتم ملجأكم عند المصائب لأهل القبور , الذي أنقطع عملهم وهم مفتقرون لدعائكم.
وأضيف:
معلوم أن النصارى لا يقولون أن مريم إله ولاكن عدها الله إله لأنها تدعى من دونه , ولفظ من دونه عام لا يجوز تخصيصه إلا بدليل.
فقد قال الحق: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت لناس اتخذوني وأمي ألهين من دون الله}.
فها نحن نجد أن الله عدهم أنهم يعبدونها.
انظري لقول الله في هذه الآية وتفكري , قال الحق: {قل أفتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً}.
والآية واضحة أن المراد بذلك العباد لا القبور فقد استعاض عن ذلك بأنهم لا يملكون لأنفسهم , وإطلاق النفس , لكل ذي روح.
- وفي الفروق اللغوية لأبي هلال / 534:
الفرق بين النداء والدعاء: أن النداء هو رفع الصوت بماله معنى، والعربي يقول لصاحبه ناد معي ليكون ذلك أندى لصوتنا، أي أبعد له.
والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه، يقال دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي، ولا يقال ناديته في نفسي. انتهى.
وبذلك: تفند كل أقوالك: بأن النداء يستلزم رفع الصوت أما الدعاء فما كان في القلب أو ما كان كتابة.
ثانياً: لقد أوضحت أقوال أشياخك في مشاركتي السابقة بتبيان الدعاء وهو التذلل في الطلب في أمر لا يقدر عليه إلا الله. وهذا ما رأيناه نسأل الله السلامة.
ثالثاً: لا يصح الدعاء لمن لا يسمع. ولا يضر ولا ينفع. إلا أن يكون الداعي مجنوناً فعند ذلك لا يحاسب على شركه.
تقول الزميلة أنها تستغيث بالله مع اعتقادها النفع والضر من الله وأن نا نستغيث بالرسول:
فأجيب:
أقول: هذا معلوم مسبقاً يا زميلة , وهذا أيضاً ما يعتقدة , المشركون عباد القبور.
ألم تسمعي قول الحق: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}.
فهاهم يعلمون أن القادر هو الله وحدة وإلا لاستغاثوا بأصنامهم في الشدائد , وحتى أنهم يؤمنون أن الله هو الخالق الرازق المتصرف.
¥