تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"الثاني [أي من لوازم قول المرجئة] من صدق بما جاء به النبي [و مع] ذلك سجد للشمس ينبغي أن يكون مؤمنا، والإجماع على خلافه ...

كأن الذهبي رحمه الله يرى أن السجود قد يكون تحية، وقد يقع عبادة.

فإذا وقع تحية فإنه فيه تعظيم نهى عنه الشرع ولكنه لايصل إلى حد الشرك إذا لم يكن قصده إلا التعبد لله بتعظيم وليه بضرب من أضرب التعظيم التي ظنها مشروعة.

بخلاف ما إذا أراد أن يتقرب بذلك السجود للمسجود له.

فهنا صورتان:

الأولى: رجل يريد التقرب إلى الله تعالى بتعظيم أوليائه بشيء ظنه مشروعاً وهو السجود تحية لهم.

والثاني: رجل أراد أن يتقرب لصاحب القبر بالسجود له.

أما الصورة الثانية فهي شرك ظاهر.

وأما الصورة الأولى فالأظهر أنها شرك أكبر كذلك لأن تعظيم الرجل بالسجود له صرف لضرب من أضرب التعظيم المختصة بالله لذلك الرجل. ولايؤثر ظنه أن ذلك مشروعا وأنه ما أراد به إلاّ التقرب إلى الله زلفى، فتلك حجة المشركين الأوائل: (إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى)، فهم كانوا يصرفون الدعاء لهم لاعتقادهم أن الله يحبه ويرضاه، فكانت تلك عبادتهم لهم التي استحقوا بها العذاب.

ويعكر على هذا قوله تعالى: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا).

والذي يظهر –وقد قيل فيها الكثير- أن هذا السجود ضرب من التحية للكبراء وقد كان معهوداً عندهم كما نقل غير واحد من المفسرين.

ومعلوم أن تحية الكبير والمقدم، يقدمها له المحب، والمبغض الشانئ، طالما كان في سلطانه، فهي لاتستلزم التعظيم المنهي عنه، وغايتها إظهار نوع من الإكرام، أما إثبات هذا القدر من التعظيم قدر زائد عن مدلول الآية في سجود إخوة يوسف. والكلام هنا إنما هو عن السجود للقبر حال كونه تعظيماً بعبادة ما شرعت إلاّ لله، ولا يعني هذا منع مطلق تعظيم ما سوى الله، ولكن المراد المنع من تعظيم ما سوى الله بما يعظم به الله.

هذا ويمكن أن يقال إن المراد بالسجود في آية يوسف السجود اللغوي من نحو قوله في الآية الأخرى: (وادخلوا الباب سجداً)، فقد علم أنهم لن يدخلوه على جباههم ولكن المراد أصل السجود في اللغة وهو التطامن أو الانحناء والذل، وليس بشرط أن يكون هو السجود الشرعي المعروف.

وفرق بين أن تقول خر ساجداً، وبين أن تقول خر لوجهه ساجداً، أو يخرون للأذقان سجداً.

فتقييد الانحطاط بالوجوه والأذقان يفهم منه معنى السجود المعروف، بخلاف اللفظ إذا لم يقيد فقد يفهم منه الانحطاط جالساً على سبيل الإكرام.

ويشير إلى هذا المعنى قوله في أول السورة: (إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر لي ساجدين)، ولا يتصور ذلك في الكواكب إلاّ بانحطاطها له، فجاء تأويل الرؤيا مثلها، ومن تأمل الآثار الفرعونية والرسوم الرومانية ونحوها لحظ أن سجودهم هو انحطاط في جلسة أشبه بالجلوس على أطراف القدمين مع خفض إحدى الركبتين.

وكذلك أطلقه من قبلهم شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم فيما يظهر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على البكري: "وهذه الأمور المبتدعة من الأقوال هي مراتب، أبعدها عن الشرع أن يسأل الميت حاجة، أو يستغيث به فيها، كما يفعله كثير من الناس بكثير من الأموات، وهو من جنس عبادة الأصنام، ولهذا تتمثل لهم الشياطين على صورة الميت أو الغائب كما كانت تتمثل لعبادة الأصنام، بل أصل عبادة الأصنام إنما كانت من القبور كما قال ابن عباس و غيره، وقد يرى أحدهم القبر قد انشق و خرج منه الميت فعانقه أو صافحه أو كلمه، ويكون ذلك شيطاناً تمثل على صورتة ليضله، وهذا يوجد كثيراً عند قبور الصالحين، و أما السجود للميت أو للقبر فهو أعظم".

وقال ابن القيم في المدارج: "ومن أنواع الشرك: سجود المريد للشيخ فإنه شرك من الساجد والمسجود له والعجب أنهم يقولون: ليس هذا سجود وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراما وتواضعا فيقال لهؤلاء: ولو سميتموه ما سميتموه فحقيقة السجود وضع الرأس لمن يسجد له وكذلك السجود للصنم وللشمس وللنجم وللحجر كله وضع الرأس قدامه ومن أنواعه".

ومن قال بعدم الحكم بالكفر على فعل من صرف هذا النوع من التعظيم للمخلوق بحجة ظنه مشروعيته لزمه أن لايقول بكفر من ذبح لصاحب القبر لظنه أنه مشروع وأنه يتقرب به إلى الله، وللزمه ذلك في سائر العبادات التي تصرف عند القبور لأصحابها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير