تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن كلام الذهبي رحمه الله صريح في قصد التعظيم و التبجيل بالسجود، و سبق بيان أن السجود الاختياري أياً كان سببه يستلزم تعظيم المسجود له، و أن العلماء عدوا سجود الملائكة و سجود آل يعقوب للتعظيم، و أنه كان سائغاً في الأمم السابقة، و كذلك كلام القرافي صريح في ذكر التعظيم فلا يمكن حمل كل ذلك على عدم قصد التعظيم.

أما صفة السجود في الأمم السابقة فإن ما حمل الناس قديماً و حديثاً على صرفه عن ظاهر اللفظ إنما هو ما قام في نفوس الجميع من استشناع أن يسجد لغير الله على الهيئة المعروفة، و لكن الأكثرون من المتقدمين و المتأخرين حملوه على ظاهره.

* تفسير ابن كثير [جزء 2 - صفحة 644]

" ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام فحرم هذا في هذه الملة وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى هذا مضمون قول قتادة وغيره "

* فتح القدير [جزء 3 - صفحة 80]

" وقيل لم يكن ذلك سجودا بل هو مجرد إيماء وكانت تلك تحيتهم وهو يخالف معنى: وخروا له سجدا فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلا بوضع الوجه على الأرض "

و من ألطف ما قرأت مما يبين هذا التنازع بين المستقر في النفوس و ظاهر اللفظ كلام الآلوسي في روح المعاني حيث قال:

[جزء 13 - صفحة 58]

" خروا له سجدا أي على الجباه كما هو الظاهر وهو كما قال أبو البقاء حال مقدرة لأن السجود يكون بعد الخرور وكان ذلك جائزا عندهم (ثم ذكر أقوالاً أخرى قيلت في هيئة السجود إلى أن قال) وأنت تعلم أن اللفظ ظاهر في السقوط ... والقلب يميل إلى أنه كان انحناء كتحية الأعاجم وكثير من الناس اليوم، ولا يبعد أن يكون ذلك بالخرور "

قلتم شيخنا

فقوله (سجود المسلم لقبر) مجمل قد يريد به صرف العبادة للقبر، وقد يريد به سجود المسلم لله لتعظيم القبر، ويفهم هذا من قوله على سبيل التعظيم والتبجيل أنه لا على سبيل آخر، ومن وصفه الساجد بالإسلام.

و قولكم حفظكم الله أن الذهبي رحمه الله ربما أراد صرف العبادة للقبر أشكل علي جداً فكيف يكون مثل ذلك عند الذهبي رحمه الله " لا يكفر به أصلاً "؟

و أما حملكم كلامه على أن المراد " و كذلك القول في سجود المسلم لله تعظيماً وتبجيلاً لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ... " فمبني على عدم التفريق بين سجود التعظيم و سجود العبادة و أنه لا يصح في شرعنا و شرع من سبقنا إلا لله و هذا شيخنا هو الأصل الذي بنيتم عليه كلامكم في المسألة، و الذي يظهر من كلام العلماء التفريق بينهما.

و قولكم

أما التعظيم المشروع الذي أمر الله بإبدائه لبعض الخلق كالوالد والنبي صلى الله عليه وسلم فإبداؤه لمن أمر الله عبادة لله يثيب الله فاعلها، طالما كانت مشروعة، فإن بذل له ضرباً من التعظيم الذي هو من خصائص الله فقد جاء كفراً ومنه السجود تعظيماً لا للمجرد التحية،

فقد سبق قول ابن تيمية رحمه الله " وأما السجود فشريعة من الشرائع إذ أمرنا الله – تعالى – أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحد من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير – طاعة لله عز وجل – إذ أحب أن نعظم من سجدنا له، "

فيفهم من كلامه أن التعظيم لازم للسجود و أن السجود تعظيماً ليس كفراً و إلا لكان من المحال أن يأمر به الله فلا يمكن أن يضرب المثل بمحال في حق الله، و هو أمر قد وقع فعلاً من الله عز و جل للملائكة بالسجود لآدم، و الله عز و جل يرضى لعباده الكفر فضلاً عن أن يأمرهم به.

أما قولكم

وإذا صح التفريق بين هذه الثلاثة فإن من ظن أن السجود تحية مشروعة تليق بالأكابر وأن تكريمهم على هذا الوجه ليس فيه محظور فلا يقال أتى شركاً، بل لو علم أن تلك التحية منهي عنها فحيا بها لم يكن بذلك كافراً أو مشركاً شركاً أكبراً.

فأنتم تعنون بلا شك (ما لم يستحلها)

و بناء على ما سبق يمكن القول:

1. أن من سجد لغير الله قاصداً عبادة الله بذلك فقد ارتكب محرماً لكنه غير مكفر، و أما من قصد عبادة المسجود له فقد أتى كفراً أكبر بلا خلاف.

2. أن العلماء لم يفرقوا بين سجود التحية و سجود التعظيم بل ساقوهما مساقاً واحداً، فالتفريق يحتاج إلى دليل لأن السجود الاختياري متضمن تعظيم المسجود له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير