تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن سلم أنه تعظيم فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر هذا ولم يقره مع احتماله، وبين أنه لاينبغي لأحد أن يسجد لأحد، وهذا يبين بأن سجود معاذ رضي الله عنه لا ينبغي إلاّ لله، فقد علم أن السجود تعظيماً للخالق سبحانه مشروع بل هو عبادة يتقرب إلى الله بها عند ورود أسبابها. وقد جاءت بذلك ألفاظ ذكرها أهل العلم قال شيخ الإسلام: " وحديث معاذ لما رجع من الشام فسجد للنبي فقال ما هذا يا معاذ فقال رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم فقال يا معاذ أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجدا له قال لا قال فلا تسجد لي فلو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها فمن لا ينهى الضالين عن مثل هذا الشرك المحرم بإجماع المسلمين كيف ينهى عما هو أقل منه".

وقال: " ولما سجد له معاذ نهاه وقال أنه لا يصلح السجود إلا لله ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".

وقال الإمام ابن القيم: " وقال: [لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد] وأنكر على معاذ لما سجد له وقال: مه! وتحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة وتجويز من جوزه لغير الله مراغمة لله ورسوله وهو من أبلغ أنواع العبودية فإذا جوز هذا المشرك هذا النوع للبشر فقد جوز العبودية لغير الله".

وقلتم أيضاً

وأما الصورة الأولى فالأظهر أنها شرك أكبر كذلك لأن تعظيم الرجل بالسجود له صرف لضرب من أضرب التعظيم المختصة بالله لذلك الرجل

فهذا إنما يكون حال كون السجود لا يكون إلا عبادة أما إن صح تقسيمه إلى عبادة و غير عبادة، فلا ينطبق هذا الكلام على من يسجد لغير الله سجود تحية و إن أراد بذلك التقرب إلى الله، لأن سجود التحية لا يشرع لله تعالى فضلاً عن أن يكون مختصاً بحنابه سبحانه، و يرد على هذا الكلام أن السجود لا ينفك عن تعظيم المسجود له، و هذا من مواطن الإشكال في المسألة، و قد يجاب عنه بأن التعظيم بالسجود إن ثبت كونه سائغاً في الأمم السابقة انتفى كونه مختصاً بالله عز وجل، و حيث إن العقائد لا تنسخ فإنه يكون في شرعتنا محرماً دون أن يصل إلى درجة الشرك.

سجود التعظيم عبادة بخلاف مجرد السجود لتحية أو لإكرام.

وأما القول بأن السجود لاينفك عن تعظيم المسجود له فقد بين أنه لا يلزم لغة ولا نعلم لزومه في عرف الأمم الماضية.

ولم يثبت أن سجود التعظيم في الأمم السالفة كان حقاً لغير الله كما أشير إلى هذا مراراً وغاية ما تذكر أقاويل –وإن سلم بدلالة بعضها- لا تثبت بها حجة خالفتها مثلها.

ثم إن مسألة نسخ التوحيد الذي يظهر أنها محل تفصيل وإجمال، أما كون العقائد لا تنسخ فهذا حق إلاّ أن تعلقه بموضوعنا محل بحث، فإن التوحيد والشرك متعلق بالدين كله، فما كان منه من قبيل الأخبار المحققة كإثبات صفات الله واليوم الآخر وما تعلق بوعده ونحو ذلك فلا يجوز عليه النسخ إذا النسخ لها كذب في الوعد أو الإخبار.

بخلاف العبادات فإنه يجوز بإجماع أهل السنة أن تشرع عبادة لم تكن في الأمم السابقة، فإن شرعت فهي محض حق الله تعالى، وصرفها إلى غيره شرك، ويجوز أن تنسخ عبادة كانت مشروعة في الأمم السابقة فإن نسخت فليست بمشروعة ولايكون إتيانها شركاً إلاّ إن قصد التعبد إلى المعبود بها. فمن قتل نفسه من بني إسرائيل توبة لله أتى فعلاً من جملة امتثال الأمر والتوحيد، ومن قتل نفسه منهم لغير الله كان مشركاً بفعله، ومن قتل نفسه من هذه الأمة أتى محظوراً لايوصف بالشرك، إلاّ إن فعله على وجه التقرب لغير الله به.

ولذا هم لا يعترضون على نحو هذا بقولهم بقولهم إن العقائد لاتنسخ، وإنما يعترض عليه من يعترض بأنه إن كان حسناً فكيف عاد قبيحاً، والفعل هو هو.

ولا شك أن هذا الاعتراض ساقط فيه ما فيه، بل هو مبطل للقول بالنسخ كله آيل لقول الشيعة وبعض أهل الكتاب الذين أبطلوا النسخ مطلقاً.

وعلى كل حال من توسع في قراءة الأصول يدرك الخلاف في مسألة نسخ التوحيد، وقد نص عليه إن لم تخني الذاكرة ابن حزم في الإحكام له، ومن يتأمل خلافهم عليه أن يراعي مفهوم كثير من الأصولين والمتكلمين ومرادهم بالتوحيد ذلك الاسم الجامع، لكل ما جعله الله من خصائصه سواء في العبادة أو الأسماء والصفات أو غير ذلك.

فبعض المتكلمين يريد به الصفات ونحوها من الأخبار المحققة.

قلتم بارك الله فيكم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير