ظاهر لفظ الإمام هذا وقد يحتمل إجمالاً أشير إليه، وقد قال به غيره من غير أهل العصمة، كما أشير إليه سابقاً أما اللزوم فلا عقل ولا نقل ولا نعرف عرفاً سابقاً يدل عليه.
، و أن العلماء عدوا سجود الملائكة و سجود آل يعقوب للتعظيم، و أنه كان سائغاً في الأمم السابقة، و كذلك كلام القرافي صريح في ذكر التعظيم فلا يمكن حمل كل ذلك على عدم قصد التعظيم.
اختلفت عباراتهم في هذا وبعضها ظاهره أنه للتعظيم ولا شك ولكن ما الحجة؟
وأنت ترى أن غيرهم قد خالفهم فعد مطلق السجود للتعظيم كفر كما نقل عن السرخسي.
فهذا إما أن يكون معارض لقول أولئك الذين زعموا أنه سجود تعظيم.
وإما أن يكون قولاً بجواز نسخ ذلك، وقد مضت الإشارة إلى ما في هذا من إجمال يحتمل.
أما صفة السجود في الأمم السابقة فإن ما حمل الناس قديماً و حديثاً على صرفه عن ظاهر اللفظ إنما هو ما قام في نفوس الجميع من استشناع أن يسجد لغير الله على الهيئة المعروفة، و لكن الأكثرون من المتقدمين و المتأخرين حملوه على ظاهره.
شكر الله لك؛ ما هو ظاهر السجود؟
هل الظاهر هو السجود الشرعي؟
لايظهر هذا؟
وقد سبق بيان أصل معنى السجود، وما انتقل عن الأصل فهو المعنى المأول لا ما وافقه.
* تفسير ابن كثير [جزء 2 - صفحة 644]
" ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام فحرم هذا في هذه الملة وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى هذا مضمون قول قتادة وغيره "
القول بأن السجود مختص بجناب الرب سبحانه في هذه الملة، يحتاج إلى مزيد بيان فهل عنى بها هذه الملة وحدها؟ أم عنى نوعاً من السجود معيناً؟
فإن السجود عبادة للرب سبحانه كان معروفاً في الأمم السابقة، والآيات في هذا المعنى كثيرة، منها قوله سبحانه: (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين)، (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون)، (ادخلوا الباب سجدا)، (إن الذين عند ربك لايستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون)، (قل آمنوا به أو لاتؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعدج ربنا لمفعولا).
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن السجود لله كان مشروعاً في الأمم الماضية، فإن قيل لم يكن مختصا به مع أنه كان عبادة أجيب بأن العبادة لا تجوز إلاّ لله تعالى.
فدل ذلك على أن سجود التحية شيء، وسجود التعظيم شيء آخر، وأن سجود العبادة مختص به قديماً وحديثاً.
فإذا كان المراد أن سجود التحية حرم في هذه الملة فلم يعد سجود حق لغير الله تعالى فيقال هذا صحيح ولكن سجود التعظيم من أي القبيل؟ هذا هو مربط الفرس.
* فتح القدير [جزء 3 - صفحة 80]
" وقيل لم يكن ذلك سجودا بل هو مجرد إيماء وكانت تلك تحيتهم وهو يخالف معنى: وخروا له سجدا فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلا بوضع الوجه على الأرض "
و من ألطف ما قرأت مما يبين هذا التنازع بين المستقر في النفوس و ظاهر اللفظ كلام الآلوسي في روح المعاني حيث قال:
[جزء 13 - صفحة 58]
" خروا له سجدا أي على الجباه كما هو الظاهر وهو كما قال أبو البقاء حال مقدرة لأن السجود يكون بعد الخرور وكان ذلك جائزا عندهم (ثم ذكر أقوالاً أخرى قيلت في هيئة السجود إلى أن قال) وأنت تعلم أن اللفظ ظاهر في السقوط ... والقلب يميل إلى أنه كان انحناء كتحية الأعاجم وكثير من الناس اليوم، ولا يبعد أن يكون ذلك بالخرور "
سبقت الإشارة في رد سابق إلى أن الله تعالى قال: (ويخرون للأذقان) بهذا التقييد ظاهر في الهوي على الوجوه، وقيل: "فتقييد الانحطاط بالوجوه والأذقان يفهم منه معنى السجود المعروف، بخلاف اللفظ إذا لم يقيد فقد يفهم منه الانحطاط جالساً على سبيل الإكرام.
ويشير إلى هذا المعنى قوله في أول السورة: (إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر لي ساجدين)، ولا يتصور ذلك في الكواكب إلاّ بانحطاطها له، فجاء تأويل الرؤيا مثلها، ومن تأمل الآثار الفرعونية والرسوم الرومانية ونحوها لحظ أن سجودهم هو انحطاط في جلسة أشبه بالجلوس على أطراف القدمين مع خفض إحدى الركبتين.".
فمن قال من أهل العلم وأئمتنا بأن ظاهر اللفظ يقتضي أن يكون الخرور بالوجه قيل: لايسلم، وسئل عن وجهه ودليله في تعيين هذا التقييد.
¥