فهو محتمل كما أشير إليه.
ولايلزم من خر أن يخر الرجل على وجهه ساجداً بل هذا تقييد بغير مقيد للخرور، ولهذا لما أراده في الآية ذكره، وإذا كان هذا هو الظاهر لم يكن لذكره في قوله: (ويخرون للأقان) كبير فائدة، ولأصبح قول فحول الشعراء:
فخر صريعاً لليدين وللفم
حشو لا معنى له لأنه معروف ظاهر.
بل لما أصبح لتقيد الخرور بالسجود فائدة فكل خار على هذا التقدير ساجد.
والصحيح أن (خر) أصل واحد عند العرب كما قال ابن فارس: هو اضطراب وسقوط مع صوت.
فالذي يظهر أنه أراد من هذا التعبير تصوير كيف ميلهم وانخفاضهم فذكر أنه خرور وانصباب له صوت، ولايلزم منه أن يكون وجهه على الأرض أو معتمداً على يديه وإن لم يكن وجهه عليها، أو غيره، بل كله محتمل، ولعظم الاحتمال ما العلامة الألوسي إلى ما نقلتموه عنه، والله أعلم.
قلتم شيخنا
فقوله (سجود المسلم لقبر) مجمل قد يريد به صرف العبادة للقبر، وقد يريد به سجود المسلم لله لتعظيم القبر، ويفهم هذا من قوله على سبيل التعظيم والتبجيل أنه لا على سبيل آخر، ومن وصفه الساجد بالإسلام.
و قولكم حفظكم الله أن الذهبي رحمه الله ربما أراد صرف العبادة للقبر أشكل علي جداً فكيف يكون مثل ذلك عند الذهبي رحمه الله " لا يكفر به أصلاً "؟
و أما حملكم كلامه على أن المراد " و كذلك القول في سجود المسلم لله تعظيماً وتبجيلاً لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ... " فمبني على عدم التفريق بين سجود التعظيم و سجود العبادة و أنه لا يصح في شرعنا و شرع من سبقنا إلا لله و هذا شيخنا هو الأصل الذي بنيتم عليه كلامكم في المسألة، و الذي يظهر من كلام العلماء التفريق بينهما.
أقصد بالعبادة في الكلام المذكور التعظيم بالسجود، فهذه هي العبادة التي أردتها أحسن الله إليكم، ولعل هذا التفسير يوضح وجه الكلام، وأما بقيته فسبق المرور عليه.
و قولكم
أما التعظيم المشروع الذي أمر الله بإبدائه لبعض الخلق كالوالد والنبي صلى الله عليه وسلم فإبداؤه لمن أمر الله عبادة لله يثيب الله فاعلها، طالما كانت مشروعة، فإن بذل له ضرباً من التعظيم الذي هو من خصائص الله فقد جاء كفراً ومنه السجود تعظيماً لا للمجرد التحية،
فقد سبق قول ابن تيمية رحمه الله " وأما السجود فشريعة من الشرائع إذ أمرنا الله – تعالى – أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحد من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير – طاعة لله عز وجل – إذ أحب أن نعظم من سجدنا له، "
فيفهم من كلامه أن التعظيم لازم للسجود و أن السجود تعظيماً ليس كفراً و إلا لكان من المحال أن يأمر به الله فلا يمكن أن يضرب المثل بمحال في حق الله، و هو أمر قد وقع فعلاً من الله عز و جل للملائكة بالسجود لآدم، و الله عز و جل يرضى لعباده الكفر فضلاً عن أن يأمرهم به.
الإمام لم يقل السجود تعظيماً ليس من خصائص الله. ولا قال التعظيم لازم السجود، وإنما قال لو أمرنا أن نسجد لأحد من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير طاعة لله. الذي أحب أن نعظم ذلك لمسجود له بالسجود.
وهذا كقوله بعدها: "ولو لم يفرض علينا السجود لم يجب البتة فعله".
فالأمر بالسجود لغير الله تعظيماً له محض فرض، كما فرض أنه إن لم يفرض علينا السجود لم يجب فعله.
والواقع أن الله فرض السجود وأوجبه لنفسه، ونهى عن أن يسجد لغيره.
وكلا هذين ليس عكسه بمستحيل عقلاً لولا ورود الشرع. لا لأن الشرك غير مستقبح ولا مستحيل الأمر به في العقول، ولكن لأن خصائص الله وما ينبغي له هو ما يعلمنا الله به.
فإن أعلمنا أن السجود تعظيماً لخلق من خلقه ليس من خصائصه وأنه من قبيل الشكر أو الحمد للمحمود لما كان فيه إشكال، وهذا غابة ما في كلام شيخ الإسلام.
هذا وقد علم في شرع الله أن الله أوجب لنفسه سجود تعظيم وإجلال، فينبغي أن لايصرف لغيره، والله أعلم.
أما قولكم
وإذا صح التفريق بين هذه الثلاثة فإن من ظن أن السجود تحية مشروعة تليق بالأكابر وأن تكريمهم على هذا الوجه ليس فيه محظور فلا يقال أتى شركاً، بل لو علم أن تلك التحية منهي عنها فحيا بها لم يكن بذلك كافراً أو مشركاً شركاً أكبراً.
فأنتم تعنون بلا شك (ما لم يستحلها)
هو كذلك بورك فيكم.
و بناء على ما سبق يمكن القول:
¥