تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1. أن من سجد لغير الله قاصداً عبادة الله بذلك فقد ارتكب محرماً لكنه غير مكفر، و أما من قصد عبادة المسجود له فقد أتى كفراً أكبر بلا خلاف.

هذا ظاهر.

2. أن العلماء لم يفرقوا بين سجود التحية و سجود التعظيم بل ساقوهما مساقاً واحداً، فالتفريق يحتاج إلى دليل لأن السجود الاختياري متضمن تعظيم المسجود له.

أحسن الله إليكم بل فرق بعضهم كما نقل أولاً، وأجمل بعضهم بغير تفصيل في التحية وهم الأكثرون، ونص بعضهم على أن التعظيم إن كان في التحية فليس بشرك.

3. نهي النبي عليه السلام عن السجود له تعظيماً دليل على أن هذا لا ينبغي و لكن ليس فيه الحكم على هذا السجود أنه عبادة لأن هذا كفر أكبر ما كان النبي عليه السلام ليؤخر بيانه، و هنا يمكن أن يقال أن قصد المعظِّم بالسجود هو الذي يحكم على فعله بالكفر إن قصد عبادة المسجود له، أو عدمه إن قصد غير ذلك.

هذا على فرض أن سجود معاذ كان صرفاً للتعظيم على ذلك الوجه الخاص بالله للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضى بحث فيه.

ثم إن ثبت هذا فليس فيه دليل على أنه ليس بشرك بل فيه دليل ظاهر على أنه فعل محرم، والشرك من جملة المحرمات: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً).

بل قوله لمعاذ هنا من قبيل قوله لأبي بكر في حديث ابن لهيعة إنه لايستغاث بي وإنما يستغاث بالله والأثر بالطريق المذكور آنفاً ليس أحسن حالاً كثيراً من أثر ابن لهيعة.

وصح في حديث ابن مسعود لما ذهبوا إلى ملك الحبشة وجاء عمرو بن العاص مبعوثاً من قريش قال: "فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه فسلم ولم يسجد فقالوا له: ما لك لا تسجد للملك قال: إنا لا نسجد إلا لله عز وجل قال: وما ذاك؟ قال: إن الله عز وجل بعث إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله عز وجل وأمرنا بالصلاة والزكاة" الحديث. والحديث رواه الإمام أحمد والحاكم وغيرهم.

فهذا نص على أن سجود التعظيم في شرعنا محض حق الله تعالى.

4. و يشكل على السابق الإجماع على كون السجود للصنم أو الشمس أو الكواكب تعظيماً لها كفر بقطع النظر عن قصد الساجد عبادتها أو عدمه، و قد يقال حلاً لهذا الإشكال أن كفر الساجد لها إنما هو بسبب تعظيمه ما أمر الله بإهانته أو نهى عن تعظيمه حال كونه اتخذ نداً لله، و عليه فإن قول الإيجي في المواقف: " حتى لو علم أنه لم يسجد لها على سبيل التعظيم واعتقاد الإلهية بل سجد لها وقلبه مطمئن بالتصديق

لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله وإن أجري عليه حكم الكفر في الظاهر" يفهم على أن هذا السجود مظهر من مظاهر التعظيم لما نهى الله عن تعظيمه أو أمر بإهانته مما اتخذ نداً له، فيحكم على فاعله بالكفر في الظاهر.

الله عز وجل لم يأمرنا بإهانة الشمس أو القمر، بل قرر عظمهما وشكر الله عليهما لعظم نفعهما، وتعظيم الله بهما لعظم خلقهما.

ولهذا أقسم بهما، وجعلها من جملة آياته، ولهذا من عظمهما بغير سجوداً حامداً بذلك الله على فضله، وشاكراً لأنعمه كان في عداد المحسنين.

ولكن لعل الوجه الصحيح أن يقال الشمس والقمر لايتصور إرادة المرء بسجوده غير تعظيمهما، فلا يتصور أن يكون مراد الساجد للشمس أو القمر تحية للشمس أو القمر، بخلاف السجود للبشر، وهذا سبقت الإشارة إليه.

5. و قد يكون الحل السابق جواباً على كلام القرافي رحمه الله " فإن قلت الله تعالى أمر بتعظيم الآباء والعلماء ولم يأمر بتعظيم الأصنام بل نهى عنه فلذلك كان كفرا قلت إن كان السجودان في المسألتين متساويين في المفسدة ... إلخ "

ذلك أن المفسدة متحققة بمجرد تعظيم ما اتخذ نداً لله مما نهى عن تعظيمه و إن لم يقترن بسجود أو غيره فهذا التعظيم محادة لله عز و جل، و أما تعظيم من أمر الله بتعظيمهم فليس فيه محادة لله عز وجل فلا يكون كفراً،

مجرد تعظيم الشمس ليس بكفر، وكذلك القمر، وكذلك خلق السماوات والأرض.

وإنما الكفر صرف عبادة مخصوصة محض حق الله لهما، وهي السجود تعظيماً، وهذا ما لاينبغي أن يفرق فيه بين الشمس والبشر طالماً كان التعظيم مخالطاً للفعل.

ولذلك لو استغاث إنسان بصنم أو بشمس أو بقمر فقد أتى شركاً، كما لو استغاث ببشر فيما هو من خصائص الله تعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير