أما عدم تصور سجود الشمس و القمر إلا بالانحطاط فنحن لا نشاهد من حالهما سوى الدوران في فلكيهما فلا نعرف لهما هيئة سجود و لا انحطاط فإذا تصورنا انحطاطاً فلا مانع من أن نتصور سجوداً، لا سيما و أن هذه الرؤيا من الغيب الذي لا نعلم ماهيته، فإذا كانت المعاني قد تتشكل في هيئة حسية كالعمل الصالح في القبر مثلاً، فما المانع أن تكون هذه الكواكب قد تصورت على هيئة أشخاص في الرؤيا فسجدوا ليوسف، أو أن تكون على هيئتها فخرت من السماء عند قدمي يوسف عليه السلام؟
أما صورة الجلسة التي ذكرتموها في الآثار فلم أستطع تصورها إلا أن تكون جثياً على الركب، و على كل الأحوال فما الدليل على كون هذه الهيئة المذكورة هي " سجودهم " كما ذكرتم؟
قلتُم بارك الله فيكم (ولايلزم من خر أن يخر الرجل على وجهه ساجداً بل هذا تقييد بغير مقيد للخرور،)
نعم شيخنا لا يلزم، و لكن المقيد موجود و هو قوله تعالى {سجداً}
(ولهذا لما أراده في الآية ذكره، وإذا كان هذا هو الظاهر لم يكن لذكره في قوله: (ويخرون للأذقان) كبير فائدة)
و في التفاسير بيان للفائدة من ذكر الأذقان كما سبق
(بل لما أصبح لتقيد الخرور بالسجود فائدة فكل خار على هذا التقدير ساجد)
لكن شيخنا لم يقل أحد أن كل خار يكون ساجداً بل ما نقلتُه عن الشوكاني رحمه الله يبين ذلك حيث قال " وخروا له سجدا فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلا بوضع الوجه على الأرض "
فهو خرور مقيد بالسجود فكيف يحمل على الجلوس أو على أي شيء آخر غير السجود؟
أما قولكم " لما أصبح لتقييد الخرور بالسجود فائدة " فالسؤال شيخنا ما هي الفائدة من هذا القيد؟ أليست بيان أن هذا الخرور كان للسجود لا لشيء آخر؟ إذا كان الجواب بلى، فقد ثبت بذلك أن هذا السجود كان على حقيقته و ليس انحناء و لا إيماء.
قلتم شيخنا (فالذي يظهر أنه أراد من هذا التعبير تصوير كيف ميلهم وانخفاضهم فذكر أنه خرور وانصباب له صوت، ولايلزم منه أن يكون وجهه على الأرض أو معتمداً على يديه وإن لم يكن وجهه عليها، أو غيره، بل كله محتمل، ولعظم الاحتمال ما العلامة الألوسي إلى ما نقلتموه عنه، والله أعلم.)
و لماذا لا يقال أن المراد من هذا التعبير هو تصوير كيفية سجودهم على وجوههم و أنه كان سقوطاً بصوت، لا سيما و أن هذا هو الأنسب لاستعمال القرآن للخرور إلى السجود كما في آيتي مريم و السجدة.
و الذي يظهر و الله أعلم أنه لولا المحذور من تجويز السجود لغير الله تعالى في شرعة من قبلنا لما ذهب المفسرون إلى تلك الاحتمالات، أما الألوسي رحمه الله فمما يقوي ما ذهبتُ إليه سابقاً من تفسير ميله في نهاية المطاف إلى كون السجود كان انحناء على خلاف ما قرر أنه الظاهر من السجود قوله في آخر النقل عنه " ولا يبعد أن يكون ذلك بالخرور " فكيف يتصور انحناء مع سقوط بصوت، اللهم إلا أن يقال أن هذا الانحناء وصل إلى حد الركوع كما في سورة ص و هو على قول من فسر الركوع فيها على ظاهره؟ و إلا فأين هو هذا السقوط بمجرد الانحناء أو الإيماء؟ فإن قيل هو ركوع فالمحذور فيه كالمحذور في السجود.
إن مما يضعف القول بأن سجود الأخوة كان انحناء أو إيماء هو ما ذكرتموه من معنى الخرور و أنه سقوط بصوت و هذا متعذر في الإيماء أما الانحناء فمتعذر فيما دون الركوع، مع أن التسليم بأن الركوع يكون مصحوباً بصوت فيه شيء من التكلف لا يخفى بخلاف السجود لا سيما عندما يكون بالسقوط و على الركب، بل إن في صدق وصف الخرور على الركوع المعروف نظر فليس في هذا الركوع سقوط، قال القرطبي رحمه الله: " قال الحسين بن الفضل: سألني عبد الله بن طاهر وهو الوالي عن قول الله عز وجل: {وخر راكعا} فهل يقال للراكع خر؟ قلت: لا قال: فما معنى الآية؟ قلت: معناه فخر بعد أن كان راكعا أي سجد "
قلتُ
2. أن العلماء لم يفرقوا بين سجود التحية و سجود التعظيم بل ساقوهما مساقاً واحداً، فالتفريق يحتاج إلى دليل لأن السجود الاختياري متضمن تعظيم المسجود له.
فقلتم (أحسن الله إليكم بل فرق بعضهم كما نقل أولاً، وأجمل بعضهم بغير تفصيل في التحية وهم الأكثرون، ونص بعضهم على أن التعظيم إن كان في التحية فليس بشرك.)
¥