لم يظهر لي موضع ذلك النقل فليتكم تشيرون إليه، و لا أعني بالتفريق ذكر أحدهما دون الآخر بل أعني النص على أن هذا السجود كان تحية لا تعظيماً، إن الذي بين أيدينا من نقول عن أهل العلم هو نصهم أن هذا السجود لم يكن عبادة ثم منهم من قال أنه للتعظيم و منهم من قال أنه للتحية، و لكن لا أظن أحداً قال أنه للتحية لا للتعظيم.
قلتُ 3. نهي النبي عليه السلام عن السجود له تعظيماً دليل على أن هذا لا ينبغي و لكن ليس فيه الحكم على هذا السجود أنه عبادة لأن هذا كفر أكبر ما كان النبي عليه السلام ليؤخر بيانه، و هنا يمكن أن يقال أن قصد المعظِّم بالسجود هو الذي يحكم على فعله بالكفر إن قصد عبادة المسجود له، أو عدمه إن قصد غير ذلك.
فقلتم (هذا على فرض أن سجود معاذ كان صرفاً للتعظيم على ذلك الوجه الخاص بالله للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضى بحث فيه.
ثم إن ثبت هذا فليس فيه دليل على أنه ليس بشرك بل فيه دليل ظاهر على أنه فعل محرم، والشرك من جملة المحرمات: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً)
فالمطلوب هو دلالة الحديث على كون هذا الفعل شرك و ليس حراماً فحسب.
(بل قوله لمعاذ هنا من قبيل قوله لأبي بكر في حديث ابن لهيعة إنه لايستغاث بي وإنما يستغاث بالله والأثر بالطريق المذكور آنفاً ليس أحسن حالاً كثيراً من أثر ابن لهيعة.)
قد تقدم القول أن دلالة الحديث على كون هذا السجود شرك يعني أن السجود سواء كان تعظيماً أو تحية يكون شركاً و في هذا إبطال للتفرقة بين السجودين.
أما حديث ابن لهيعة فنصه عند الطبراني أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم ـ هو أبو بكر رضي الله عنه ـ: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله
فهذا ظاهر في أن الاستغاثة التي عناها أبو بكر رضي الله عنه هي من جنس الاستغاثة المشروعة بالحي فيما يقدر عليه و هذه ليست محرمة فضلاً عن أن تكون شركاً فكلام النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن إنكاراً لمحرم أو لشرك وقع، فهذا يختلف عما نحن بصدده، أما المراد من كلامه فقد قال في تيسير العزيز الحميد [جزء 1 - صفحة 206]
قوله إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله قال بعضهم فيه التصريح بأنه لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأمور وإنما يستغاث بالله والظاهر أن مراده صلى الله عليه وسلم إرشادهم الى التأدب مع الله في الألفاظ لأن استغاثتهم به صلى الله عليه وسلم من المنافق من الأمور التي يقدر عليها إما بزجره أو تعزيره ونحو ذلك فظهر أن المراد بذلك الإرشاد إلى حسن اللفظ والحماية منه صلى الله عليه وسلم لجانب التوحيد وتعظيم الله تبارك وتعالى ... فإن قلت ما الجمع بين هذا الحديث وبين قوله تعالى فاستغاثه الذين من شيعته على الذي من عدوه فإن ظاهر الحديث المنع من إطلاق لفظ الاستغاثة على المخلوق فيما يقدر عليه وظاهر الآية جوازه قيل تحمل الآية على الجواز والحديث على الأدب والأولى والله أعلم. ا. هـ
(وصح في حديث ابن مسعود لما ذهبوا إلى ملك الحبشة وجاء عمرو بن العاص مبعوثاً من قريش قال: "فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه فسلم ولم يسجد فقالوا له: ما لك لا تسجد للملك قال: إنا لا نسجد إلا لله عز وجل قال: وما ذاك؟ قال: إن الله عز وجل بعث إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله عز وجل وأمرنا بالصلاة والزكاة" الحديث. والحديث رواه الإمام أحمد والحاكم وغيرهم.
فهذا نص على أن سجود التعظيم في شرعنا محض حق الله تعالى.)
فيقال أولاً لم جزمتم شيخنا أن السجود هنا إنما هو سجود تعظيم رغم أنكم قلتُم في سجود إخوة يوسف أن لا حجة لمن قال أن السجود للملوك في زمانهم كان للتعظيم؟
¥