أما أقواله عن المولد وأن له أصلا في الشريعة كسجود الشكر وتخفيف العذاب عن أبي لهب، وأن صيام الإثنين احتفال من النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن مناسبات المولد حفظت على المسلمين دينهم، فشيء عجيب لأنه يستخدم قياسا فاسدا، لأن هذه الأمور ورد فيها نص صريح ولا يقاس عليها باحتفالات بدعية بدأت بعد القرون المفضلة، لم يفعلها الرسول ولا صحابته ولا أئمة المسلمين المشهود لهم بالعلم والفضل، كيف يأتي هذا الدكتور وأمثاله في هذا العصر ثم يقولون إن الصيام يوم الإثنين احتفال من النبي ليوم ولادته، وقد قال قبله الجفري هذه المقالة الفاسدة، ورد عليها الأستاذ الفاضل عادل بن علي الفريدان حيث قال:
" يقال إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه فإن المعقول والمنقول يحتمان أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه به وهو الصوم، وعليه فلنصم كما صام صلى الله عليه وسلم. وإذا سُئلنا، قلنا: إنه يوم ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن نصومه شكرا لله تعالى، غير أن أرباب الموالد لا يصومونه، بل الصيام فيه مقاومة للنفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب، وهم لا يريدون ذلك، فتعارض الغرضان فآثروا ما يحبون على ما يحب الله تعالى.
- من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول - إن صح - وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه كل شهر أربع مرات أو أكثر، وبناء على هذه فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما دون يوم الاثنين من كل أسبوع يعتبر استدراكا على الشارع، وتصحيحا لعمله، وما أقبح هذا - إن كان - والعياذ بالله تعالى.
- هل النبي صلى الله عليه وسلم لما صام يوم الاثنين شكرا على نعمة الإيجاد والإمداد وهو تكريمه ببعثته للناس كافة بشيرا ونذيرا إضافة إلى الصيام احتفالا، كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات، ومدائح وأنغام، وطعام وشراب؟ والجواب: لا، وإنما اكتفى بالصيام فقط، إذا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها محمداً صلى الله عليه وسلم ويسعها ما وسعه صلى الله عليه وسلم؟ وهل يقدر عاقل أن يقول لا؟ وإذاً فلم الافتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه، والله تعالى يقول: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) [الحشر:7] , ويقول جل ذكره: ((يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)) [الحجرات:1] , ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)) ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدودا فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمة من ربكم فاقبلوها)) وهذا لفظ الدارقطني في سننه ".
فإن الناظر في السيرة النبوية وتاريخ الصحابة والتابعين وتابعيهم وتابع تابعيهم بل إلى ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين سنة هجرية لم يجد أحدا لا من العلماء ولا من الحكام ولا حتى من عامة الناس قال بهذا العمل أو أمر به أو حث عليه أو تكلم به.
إذاً السؤال المهم: متى حدث هذا الأمر - أعني المولد النبوي - وهل الذي أحدثه علماء أو حكام وملوك وخلفاء أهل السنة ومن يوثق بهم أم غيرهم؟
- يقول المقريزي في كتابه الخطط [1/ ص 490وما بعدها]: وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم, وهي مواسم "رأس السنة"، ومواسم "أول العام"، "ويوم عاشوراء"، "ومولد النبي صلى الله عليه وسلم"، وغير ذلك من الاحتفالات التي ذكرها المقريزي.
قال المقريزي أيضا في خططه [1/ 432]: "وكان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطل أمر الموالد الأربعة: النبوي، والعلوي، والفاطمي، وقدم العهد به حتى نسي ذكرها فأخذ الأستاذون يجددون ذكرها للخليفة الآمر بأحكام الله ويرددون الحديث معه فيها ويحسنون له معارضة الوزير بسببها وإعادتها وإقامة الجواري والرسوم فيها فأجاب إلى ذلك وعمل ما ذكر .. ". أ. هـ
فعلى هذا أول من أحدث ما يسمى بالمولد النبوي هم بنو عبيد الذين اشتهروا بالفاطميين.
قال العلامة أبو عبد الله محمد الحفار المالكي: " ألا ترى أنّ يوم الجمعة خير يومٍ طلعت عليه الشمس، وأفضل ما يفعل في اليوم الفاضل صومه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة مع عظيم فضله، فدلّ هذا على أنه لا تحدث عبادة في زمان ولا في مكان إلا إذا شرعت، وما لم يشرع لا يفعل، إذ لا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها ... والخير كله في اتّباع السلف الصالح " [المعيار المعرب 7/ 99].
- وقد أجمع المسلمون على بدعية الاحتفال بالمولد النبوي، لكنهم اختلفوا في حسنه وقبحه، فذهب البعض منهم إلى أنه بدعة حسنة: كابن حجر والسيوطي والسخاوي .. وغيرهم، نظرا للمصلحة التي ظنوا حصولها!!
لكن العلماء المحقّقين، المتقدّمين منهم والمتأخرين، أفتوا بحرمة الاحتفال بالمولد، عملاً بالأدلة الشرعية التي تحذّر من البدع في الدين، والأعياد والاحتفالات من أمور الشريعة، ووقفوا أمام فتح باب شر متيقّن لخيرٍ موهوم؟ ثم ما وعاء هذا الخير المزعوم، عملٌ لم يفعله الرسول ولا صحابته ولا التابعون لهم بإحسان قروناً طويلة!! علمًا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يفرّق بين بدعة حسنة وأخرى سيئة، بل قال: ((كل بدعة ضلالة))!
قال الإمام مالك: " من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعم أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة!! لأن الله يقول: ((اليوم أكملت لكم دينكم))، فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلا يكون اليوم دينًا " الاعتصام للشاطبي.
ونرجو ممن العلم أن يكون وقافا عند حدود الله تعالى وألا يكون داعية للابتداع، وقديما قال العلماء: " المعاصي بريد الفسق، والبدع بريد الكفر ".
وحسبك من شر سماعه، قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران 31].
¥