ثانياً: إذا كان هناك من يرى مشروعيته فما هو دليله من كتاب الله أو من سنة رسول الله أو من عمل الصحابة والتابعين والقرون المفضلة.
لأنَّ العبرة بالدليل لا بالآراء والاجتهادات والأقوال المخالفة للدليل.
قال تعالى: ((فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً)).
ثالثاً: قول الأستاذ: (لست ممن يقول بعمل المولد) ـ
نقول له: إذا أيّدت من يعمله ودافعت عنه فأنت مثل من يعمله لا فرق؛ لأنَّ هذا من التعاون على الإثم والعدوان.
3 ـ ما ذكره الاستاذ محمد بن عبدالغفار من أنَّ هناك من العلماء من يرى ذلك.
نقول له: ليس قوله في ذلك حجة؛ لأنه مخالفٌ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإنَّ كل محدثة بدعة .. وكل بدعة ضلالة) والمراد بذلك: البدع في الدين ومنها بدعة المولد.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)
وكون عمر رضي الله عنه لمّا جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح .. كانوا جماعة واحدة خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليالي من رمضان ثم تأخر عنهم بعد ذلك خشية أن تفرض عليهم.
فعمر أعاد ما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة التراويح بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
فيكون مراد عمر ليس البدعة في الشريعة وإنما أحيا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم - بعد ما تركها الناس - جماعةً خلف إمام واحد.
4 ـ قول الاستاذ محمد بن عبدالغفار: (وأنا شخصياً أختار رأي من قال بحرمة الطواف بالقبور. ولكن هناك من العلماء من قال بكراهة الطواف حول القبر).
إلى أن قال: (ولكن إذا حصل هذا من بعض العوام فإنا لا نحكم بكفره ولا خروجه من ملة التوحيد) ـ.
نقول للأستاذ: إذا كنت ترى تحريم الطواف بالقبور فلماذا تسوق الخلاف فيه ليروج بين العوام والجهال فيكون هذا من باب التسهيل في شأنه والدعوة غير المباشرة إليه.؟
وأما قولك: (لا نحكم بكفره ولا خروجه من ملة التوحيد)، فنقول عنه: هذا ليس على إطلاقه. بل لا بد من التفصيل: فمن طاف بالقبر تقرباً إلى الميت بالطواف واستغاثة به فهذا شركٌ أكبر يخرج من الملة.
لأنَّ الطواف عبادة. قال تعالى ((وليطوفوا بالبيت العتيق)) فالطواف بالبيت عبادة لله وامتثال لأمره ولذلك يلهج الطائفون بذكر الله ودعائه.
جاء في الأثر: (الطواف بالبيت صلاة) فالطواف عبادة لله ومكانها حول البيت العتيق خاصة، و أما من طاف بالقبر تقرّباً إلى الله لا يقصد به الميت فهذا العمل بدعةٌ ووسيلةٌ إلى الشرك؛ لأنه عبادة في مكانٍ لم يشرع الله الطواف به.
و قياس الأستاذ محمد بن عبدالغفار: للطواف بالقبور لطلب الحوائج بالطواف ببيوت المسؤولين والأغنياء لطلب الحوائج فلا يسمى شركا ـ
نقول له: هذا قياس مع الفارق الكبير. فإن الذهاب إلى بيوت المسؤولين والأغنياء الأحياء لطلب قضاء الحوائج منهم ـ هو طلبٌ ممن يقدر على قضاء حاجة السائل؛ لأنه حيٌّ حاضرٌ قادرٌ فيكون مثل قوله تعالى: ((فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه)) وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (و الله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه)
وأما الميت فإنه قد انقطع عمله بالموت فلا يقدر على شيء: ((إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم)) وإذا كان الميت لا يستطيع أن يعمل لنفسه فكيف يعمل لغيره ـ
ثم ألستَ تقول يا استاذ في أول كلامك: (إنك ترى حرمة الطواف بالقبور) فلماذا تورد هذا التساؤل البارد!
وقولك: (هل يمتنع أن يخلق الله للأموات قدرات كما خلق للأحياء قدرات.)
نقول عنه: لا يمتنع على الله شيء فهو لا يعجزه شيء، ولكنه سبحانه أخبر أن الأموات لا يقدرون على شيء، و أنه لا يخلق لهم قدرات قال تعالى: ((إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم)). وقال تعالى: ((والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون أموات غير احياء وما يشعرون أيان يبعثون)).
5 ـ اعترض الأستاذ محمد على بياني لقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في بدعة إحياء المولد النبوي حيث قال الشيخ رحمه الله فيمن يقيمون هذا الاحتفال بدافع محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم: (والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدعة) هذا نص كلامه ـ
وقد اعترض الاستاذ فقال: (وأصعب ما في كلام الشيخ ـ يعنيني ـ تفسيره لكلام الامام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: ففعل المولد قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه اجر عظيم).
أقول: قطَعَ الاستاذ كلامَ الشيخ، و تمامُهُ كما في الكتاب المذكور: (ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم).كما قدمته لك
ـ أقول: ليس هذا تفسيراً من عندي يا أستاذ وإنما هو نص كلام الشيخ لكنك تجاهلته أو لم تقرأه. فلذلك وقعتَ فيما وقعتَ فيه.
هذا وما أردت بهذا الرد إلا الإيضاح والنصيحة للأستاذ محمد وغيره وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه
د. صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
تاريخ النشر: الثلاثاء 18/ 4/2006
http://www.alwatan.com.kw/Default.aspx?MgDid=401945&pageId=69
¥