تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثاني: أن الطواف عبادة محضة كالصلوات تماما فالنية فيه إنما تشترط فقط لتحديد طواف الفرض من طواف النفل لا للتفريق فيه بين العبادة والعادة وهذا بخلاف الغسل فإن الإنسان قد يغتسل للتبرد والنظافة وقد يغتسل للطهارة والعبادة فالنية هنا شرط لتمييز العبادة من العادة أما الطواف فليس كذلك ولا يوجد طواف عادة حتى يختلط بطواف العبادة بل هو صلاة بنص القرآن والسنة فلا يقال بأن الطواف بالقبر كالطواف بالبيت الحرام وأن النية هي التي تحدد الطواف المشروع من الطواف الممنوع فهذا خطأ ظاهر فادح فليس هناك طواف يعتاده المسلمون في مكان ما إلا الطواف بالبيت الحرام والسعي بين الصفا والمروة.

الوجه الثالث: أن العبادة هي الطاعة لله التي يقوم بها العبد تقربا إلى الله تعالى وطلبا للزلفى إليه ورجاء للثواب الأخروي أو لدفع الضر وجلب النفع الدنيوي من الله عز وجل والأصل في العبادة التوقيف عن الشارع فلا يعبد سبحانه وتعالى إلا بما شرع كما شرع فلا تختلط العبادة بالعادة حتى في الصورة إذ للعبادات من الرسوم والحدود والشروط والهيئة ما تمتاز به عن العادات فمن الخطأ الخلط بين من يطوف بحلقة المسابقة في الرياضة ومن يطوف بالقبور تقربا إلى الله وظنا أنها عبادة مشروعة يثاب عليها في الآخرة فليست النية وحدها هي التي تفرق بين العبادة والعادة بل كذلك الصورة الخارجية للفعل فإن كل من يرى صورة فعل من يطوف بحلقة السباق وصورة فعل من يطوف بالقبور يدرك إدراكا قطعيا أن الأول يمارس رياضة ولعبا وعادة والثاني يمارس قربة وتزلفا وعبادة دون حاجة لمعرفة نية كل منهما أما اشتراط النية في كل عبادة فهو شرط لقبولها عند الله فمن صلى أو حج أو صام لا يقصد وجه الله لا يقبل الله عمله وإن كانت عبادة محضة وكذلك لا يقبل الله عبادة من عبده بما لم يشرعه الله من العبادات وإن نواها لله عز وجل.

الوجه الرابع: أن قياس الطواف بالقبر على الطواف بالبيت الحرم ليس فقط قياسا مع الفارق بل هو عند الأصوليين قياس فاسد الاعتبار مصادم للنصوص والآثار في ثبوتها ودلالاتها للتالي:

أولا: أن الطواف بالبيت الحرام صلاة ونسك وواجب بل ركن في الحج والعمرة وعبادة من أفضل العبادات والقربات بنص الكتاب والسنة أما الطواف بالقبور فمن المحرمات بنص الكتاب والسنة ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري (1643) وصحيح مسلم (3081) أن الصحابة رضي الله عنهم تحرجوا من الطواف بين الصفا والمروة وقالوا (إنما الطواف بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وإنما أمرنا الله بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة) ففهموا من قوله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) الحصر والقصر حتى نزل قوله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) (البقرة 158).

فقد فهموا من ظاهر القرآن أن الطواف لا يكون إلا بالبيت الحرام فقط لأنه عبادة وصلاة ونسك يجب فيه الإخلاص لله وحده ولهذا تركوا كل ما كانوا عليه في الجاهلية من إهلال وطواف وحج لأوثانهم التي كانوا يهلون لها ويطوفون بها وقد كان للمشركين أصنام على الصفا والمروة في الجاهلية حتى ظهر الإسلام وهدم الأصنام وأمرهم الله بالطواف بالصفا والمروة والسعي بينهما لكونهما أيضا من شعائر الله ومناسكه التي شرعها لعباده ليتقربوا إليه بأدائها وحده لا شريك له.

فإذا كان الصحابة قد فهموا من ظاهر القرآن أنه لا يحل الطواف إلا بالبيت الحرام وحده حتى تحرجوا من الطواف بالصفا والمروة ظنا منهم حرمة ذلك حتى شرع الله لهم الطواف بهما فمن باب أولى عدم جواز الطواف بالقبور والأضرحة.

ثانيا: أن السنة قد تواترت تواترا معنويا في تحريم كل مظاهر العبادة عند القبور لقطع ذرائع الشرك والوثنية التي شاعت في الأمم السابقة وما زالت حتى صار لكل نبي وقديس عند أهل الكتاب والملل والنحل قبر يحجون إليه ويبنون عليه المعابد ويذبحون عنده وقد جاء في الصحيح (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) ومن أشهر مظاهر شركهم غلوهم في الأنبياء والقديسين فقد جاء في الصحيحين أن صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) وفي الصحيحين أيضا عن أم سلمة وأم حبيبة عندما رجعتا من الحبشة وأخبرتا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير