تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبوعمير الحلبي]ــــــــ[19 - 04 - 06, 01:44 م]ـ

قوله الله تعالى ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) يسهل هذا يعني أن الله باشر خلق الأنعام بيده و معنى ذلك ان خلق الله آدم بيده تكريم يشاركه فيه الأنعام؟؟؟ استدل بذلك أشعري في رده على الشيخ الهراس حينما استدل على صفة اليد بقول الله تعالى ((ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)) وقال لوكانت اليد هي القدرة لما كان لآدم فضل

إن قياس الآيتين لغويا لا يصح و ما سأذكره ليس قولي بل هو قول أهل العلم فلو نظرت إلى التركيب اللغوي لكل من الآيتين لوجدت بينهما تباينا واضحا يمنع من قياس إحداهما على الأخرى و إليك التوضيح: _ أن في الآية الأولى نسب العمل إلى اليد لا لنفسه فقال - جل من قائل -: (مما عملت أيدينا) وهذا من جنس قوله (بما كسبت أيدي الناس) ولم يقل (بما كسب الناس بأيديهم) و أما في الثانية فنسب الخلق إلى نفسه و جاء بباء الأداة التي تدل على الحقيقة في استعمال لفظة اليد فهي من جنس قول العرب: (أعطاه الدنانير بيده).

و لو كانت الآية الأولى كذلك لصح القياس (أولم يروا أنا عملنا - أو خلقنا - بأيدينا أنعاما)

واعلم أن الأشاعرة و غيرهم من أهل البدع استدلوا بعدة آيات و أحاديث يوحون أن أهل السنة اتبعوا فيها التأويل و قد يشتبه ذلك على غير المحققين في هذا الشأن و الحقيقة ليست كذلك فإن أهل السنة يفسرون القول بظاهره المتبادر إلى الذهن المستفاد من اللغة و العقل فلا يتعسفون في إخراج معنى غير موجود أو تحريف معنى مقصود , بل سبيلهم ترك التأويل و لزوم التسليم , فهم ينظرون إلى كل دليل بعلم و انصاف بعيدا عن الهوى فيتبعون ما دل عليه الدليل بمعناه و يعملوا بمقتضاه , فقارن هذا بقول من قال: إ (ن هذه الآيات ظاهرها الكفر و التشبيه فنحن نأولها للتنزيه)

قال الشيخ ابن عثيميين (رحمه الله) في كتابه (القواعد المثلى): اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب والسنة في الصفات، أدعى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها؛ ليلزم أهل السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال: كيف تنكرون علينا تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟

ونحن نجيب – بعون الله – عن هذه الشبهة بجوابين مجمل، ومفصل.

أما المجمل فيتلخص في شيئين:

أحدهما: أن لا نسلم أن تفسير السلف لها صرف عن ظاهرها، فإن ظاهر الكلام ما يتبادر منه من المعنى، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فإن الكلمات يختلف معناها بحسب تركيب الكلام، والكلام مركب من كلمات وجمل، يظهر معناها ويتعين بضم بعضها إلى بعض.

ثانيهما: أننا لو سلمنا أن تفسيرهم صرف لها عن ظاهرها، فإن لهم في ذلك دليلاً من الكتاب والسنة، إما متصلاً وإما منفصلاً، وليس لمجرد شبهات يزعمها الصارف براهين وقطعيات يتوصل بها إلى نفي ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأما المفصل فعلى كل نص أدعى أن السلف صرفوه عن ظاهره.

ولنمثل بالأمثلة التالية: وذكر منها:

المثال الثالث عشر: قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً) (197).

والجواب: أن يقال: ما هو ظاهر هذه الآية وحقيقتها حتى يقال إنها صرفت عنه؟

هل يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام بيده كما خلق آدم بيده؟

أو يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها لم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد والمراد صاحبها معروف في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم.

أما القول الأول فليس هو ظاهر اللفظ لوجهين:

أحدهما: أن اللفظ لا يقتضيه بمقتضى اللسان العربي الذي نزل به القرآن، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (198)، وقوله: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (199)، وقوله: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم) (200). فإن المراد ما كسبه الإنسان نفسه وما قدمه وإن عمله بغير يده بخلاف ما إذا قال: عملته بيدي كما في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (201). فإنه يدل على مباشرة الشيء باليد.

الثاني: أنه لو كان المراد أن الله تعالى خلق هذه الأنعام بيده لكان لفظ الآية: خلقنا لهم بأيدينا أنعاماً كما قال الله تعالى في آدم: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ) (202)؛ لأن القرآن نزل بالبيان لا بالتعمية؛ لقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) (203).

وإذا ظهر بطلان القول الأول تعين أن يكون الصواب هو القول الثاني وهو: أن ظاهر اللفظ أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها ولم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد كإضافته إلى النفس بمقتضى اللغة العربية، بخلاف ما إذا أضيف إلى النفس وعدي بالباء إلى اليد، فتنبه للفرق فإن التنبه للفروق بين المتشابهات من أجود أنواع العلم، وبه يزول كثير من الإشكالات.) أ. هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير