تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإنّما يسمّى طافياً إذا مات بلا سببٍ ولو لم يعل فوق سطح الماء نظراً إلى الأغلب، لأنّ العادة إذا مات حتف أنفه أن يعلو. وإنّ حكمة تحريم الطّافي احتمال فساده وخبثه حينما يموت حتف أنفه ويرى طافياً لا يدرى كيف ومتى مات؟ فأمّا الّذي قتل في الماء قتلاً بسببٍ حادثٍ فلا فرق بينه وبين ما صيد بالشّبكة وأخرج حتّى مات في الهواء. وإذا ابتلعت سمكةٌ سمكةً أخرى فإنّ السّمكة الدّاخلة تؤكل، لأنّها ماتت بسببٍ حادثٍ هو ابتلاعها. وإذا مات السّمك من الحرّ أو البرد أو كدر الماء ففيه روايتان عند الحنفيّة:

إحداهما: أنّه لا يؤكل، لأنّ هذه الأمور الثّلاثة ليست من أسباب الموت غالباً، فالظّاهر أنّ السّمك فيها مات حتف أنفه فيعتبر طافياً.

والثّانية: أنّه يؤكل، لأنّ هذه الأمور الثّلاثة أسبابٌ للموت في الجملة فيكون ميّتاً بسببٍ حادثٍ فلا يعتبر طافياً، وهذا هو الأظهر، وبه يفتى. وإذا أخذ السّمك حيّاً لم يجز أكله حتّى يموت أو يمات. واستدلّ من حرّم الطّافي بالأدلّة التّالية:

أ - بحديث أبي داود عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه». وروى نحوه سعيد بن منصورٍ عن جابرٍ مرفوعاً أيضاً.

ب - بآثارٍ عن جابر بن عبد اللّه، وعن ابن أبي طالبٍ، وعبد اللّه بن عبّاسٍ رضي الله عنهم: أنّهم نهوا عن أكل الطّافي. ولفظ جابرٍ في روايةٍ: «ما طفا فلا تأكلوه، وما كان على حافّتيه أو حسر عنه فكلوه». وفي روايةٍ أخرى: «ما حسر الماء عن ضفّتي البحر فكل، وما مات فيه طافياً فلا تأكل». ولفظ عليٍّ: «ما طفا من صيد البحر فلا تأكلوه». ولفظ ابن عبّاسٍ: «لا تأكل منه - أي من سمكٍ وفي البحر - طافياً».

16 - وذهب من عدا الحنفيّة إلى إباحة كلّ حيوانات البحر بلا تذكيةٍ ولو طافيةً حتّى ما تطول حياته في البرّ، كالتّمساح والسّلحفاة البحريّة، والضّفدع والسّرطان البحريّين. ولا يعدّ الفقهاء طير الماء بحريّاً، لأنّه لا يسكن تحت سطح الماء، وإنّما يكون فوقه وينغمس فيه عند الحاجة ثمّ يطير، ولهذا لا يحلّ عندهم إلاّ بالتّذكية. وللمالكيّة في كلب البحر وخنزيره قولٌ بالإباحة، وآخر بالكراهة، والرّاجح في كلب الماء الإباحة، وفي خنزيره الكراهة، - أي الكراهة التّنزيهيّة عند الحنفيّة -.

واختلفوا في إنسان الماء، فمنهم من حرّمه ومنهم من أباحه، وهو الرّاجح، وصرّح المالكيّة بجواز قلي السّمك وشيّه من غير شقّ بطنه ولو حيّاً. قالوا: ولا يعدّ هذا تعذيباً، لأنّ حياته خارج الماء كحياة المذبوح.

17 - ويستحبّ عند الشّافعيّة ذبح ما تطول حياته كسمكةٍ كبيرةٍ. ويكون الذّبح من جهة الذّيل في السّمك، ومن العنق فيما يشبه حيوان البرّ. فإذا لم يكن ممّا تطول حياته كره ذبحه وقطعه حيّاً. وهذا التّعميم في الحلّ هو أصحّ الوجوه عندهم. وهناك سواه وجهان آخران: أحدهما: أنّه لا يحلّ من حيوان البحر سوى السّمك كمذهب الحنفيّة.

والثّاني: أنّ ما يؤكل مثله في البرّ كالّذي على صورة الغنم يحلّ، وما لا يؤكل مثله في البرّ كالّذي على صورة الكلب والحمار لا يحلّ. ويحرم عند الشّافعيّة الحيوان (البرمائيّ) أي الّذي يمكن عيشه دائماً في كلٍّ من البرّ والبحر إذا لم يكن له نظيرٌ في البرّ مأكولٌ. وقد مثّلوا له بالضّفدع، والسّرطان، والحيّة، والنّسناس، والتّمساح، والسّلحفاة. وتحريم هذا النّوع البرمائيّ هو ما جرى عليه الرّافعيّ والنّوويّ في " الرّوضة " وأصلها واعتمده الرّمليّ. لكن صحّح النّوويّ في " المجموع " أنّ جميع ما يكون ساكناً في البحر فعلاً تحلّ ميتته، ولو كان ممّا يمكن عيشه في البرّ، إلاّ الضّفدع، وهذا هو المعتمد عند الخطيب وابن حجرٍ الهيتميّ، وزادا على الضّفدع كلّ ما فيه سمٌّ. وعلى هذا فالسّرطان والحيّة والنّسناس والتّمساح والسّلحفاة إن كانت هذه الحيوانات ساكنة البحر بالفعل تحلّ، ولا عبرة بإمكان عيشها في البرّ، وإن كانت ساكنة البرّ بالفعل تحرم. واختلفوا في الدّنيلس: فأفتى ابن عدلان بحلّه، ونقل عن الشّيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام الإفتاء بتحريمه. ولا يعتبر الإوزّ والبطّ ممّا يعيش في البرّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير