[خاطرة حول: إسبال الإزال لغير الخيلاء]
ـ[محمد بن يوسف]ــــــــ[12 - 04 - 04, 10:33 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.
ثبت في الحديث -عند البخاري- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"، وثَبَت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من جر ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة".
والعقوبتان -كما هو ظاهِر- مُتباينتان في الحَديثَين. فبماذا يُجيب القائلون بتقييد مُطلَق الحَديث الأول بـ "الخيلاء" المذكورة في الحَديث الثاني، على قول مَن قال: أن العقوبتين مُختلفتان، فالتقييد مُتَعَذِّر!
وأيضًا مِمَّا لا يرتاب فيه أحدُ أن العلم بسبب وُرود الحَديث مُعتَبَرٌ -أي اعتبار- في استنباط الأحكام منه؛ وقد ثَبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم -عند البخاري- أنه قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقال (أبو بكر) رضي الله عنه: إن إزاري يسترخي إلا أني أتعاهده، فقال: إنك لستَ مِمَّن يفعله خُيلاء". وعليه؛ فكيف يسوغ لمُعتَرِض أن يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: "إنك لست ممن يفعله خيلاء" -على أن علة النهي عن الإسبال هي الخُيلاء؟ فأبو بكر رضي الله عنه إنما سمعه يذم الإسبال خيلاء فسأله عن ذلك، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم عنه الخيلاء في الإسبال، ولم يتعرض لغير الخيلاء؛ فهذه جاءت فيه أحاديث أُخَر كالحديث الذي استهللتُ به كلامي "ما أسفل من الكعبين ... " الحديث.
وهذا من أقوى الردود -في نظري- على مَن يستدل بهذا الحديث على تقييد مطلق الحديث الأول بالحديث الثاني.
ولا يَرِد علينا أنه يلزم من ذلك أنه نفي عنه الخيلاء، إلا أنه آثِم بالإسبال لغير الخُيلاء! وهذا غير وارِد ولا لازِم؛ لأنه -هو وأمثاله من المعذورين بمثل حاله- لم يتعمد الإسبال؛ فإزاله يسترخي رغمًا عنه لنحافة في بدنه رضي الله عنه، فمثله مثل مَن به حَكَّة أو مَرَض ومثل النساء اللاتي يُرَخص لهن في الإسبال؛ فحالته من باب "الضرروات تُبيح المَحظورات"، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لستَ ممن يفعله خُيلاء" ليس خاصًّا به رضي الله عنه؛ بل عام لأمثاله من المعذورين؛ والشريعة لا تُفَرّق بين المُتماثلات. ولعل تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم للصديق أبي بكر رضي الله عنه جاء إخراجًا منه صلى الله عليه وسلم له من عموم قوله لجابر بن سليم الهجيمي رضي الله عنه: "وإياك والإسبال؛ فإنه من المخيلة" فمجرد الإسبال مَخيلة قصد المُسبِل أو لم يقصد؛ فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه من الخيلاء رغم أنه لم يقصد، وكان يكفي أن يُقال أنه لا يقصد الخُيلاء فهو لا يدخل في عموم الحَديث "من جر ثوبه خيلاء ... " أصلاً! ولكن نزهه عن الخُيلاء للضرورة والحاجة (لكونه نحيفًا) رضي الله عنه؛ فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول له: "إنك ومَن هو مَعذور مثلك لستَ ممن يفعله خيلاء؛ لحال العُذر".
والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصبحه.
ـ[عصام البشير]ــــــــ[12 - 04 - 04, 12:51 م]ـ
عندي إشكال حول الخاطرة الأولى:
العقوبتان مختلفتان، ولكن لا تنفي إحداهما الأخرى.
فهل العقوبتان لا يتصور اجتماعهما في شخص واحد حتى يمتنع التقييد؟
ـ[أبْجَد]ــــــــ[12 - 04 - 04, 12:55 م]ـ
نعم جال في خاطري ما ذكره الأخ عصام البشير، لكنه سبقني بالتعقيب وفقه الله
ـ[محمد بن يوسف]ــــــــ[12 - 04 - 04, 03:24 م]ـ
الشيخين الفاضلين (عصام البشير) و (أجد) -وفقهما الله-
جزاكما الله خيرًا على التعقيب النافِع.
الشيخ الفاضل (عصام):
قلتَ: "العقوبتان مختلفتان، ولكن لا تنفي إحداهما الأخرى"، ثم بينت مُرادَك بعدم مُنافاة إحداهما الأخرى بقولك: "فهل العقوبتان لا يتصور اجتماعهما في شخص واحد حتى يمتنع التقييد؟ ".
أولاً: العقوبتان مختلفتان اختلافًا كبيرًا، فالحديث الأول قيَّد ما تحت الكعبين بالإحراق بالنار دون غيره، أما الثاني فعقوبته: "لا ينظر الله إليه يوم القيامة" وفي بعض الروايات: "لا يكلمه ولا يزكيه وله عذاب أليم".
ثانيًا: أما اجتماع العقوبيتن في شخص واحد فهذا مُتَصَوَّر، ولكن إعمال كل حديث على حدة أولى من طَرح إحدى الحديثين! فالجمع بين الحديثين -إن صح- يلغي عمل الحديث الأول؛ لأنه داخل ضمنًا في الحديث الثاني؛ فمن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يكلمه ولا يزكيه وله عذاب أليم يُعَذَّب ما تحت كعبيه وزيادة في النار! فما المُستفاد -إذن- من الحديث الأول إن قُيِّد بالثاني؟ قد تقول: هو نفسه المُستفاد من أي حديثين قَيَّد أحدهما الآخر! أقول: هذا إلى النَّسْخ أقرب منه إلى التقييد! ولو تدبرت الأحاديث التي يُقَيِّد أحدها الآخر أو الآيات المُقَيَّدة بالأحاديث تجد أن المُقَيِّد (بالكسر) لا يلغي عمل المُقَيَّد (بالفَتح)، أما هنا فالحديث الثاني ألغى عمل الأول تمامًا! فما فائدة التقييد بالعذاب بما تحت الكعبين إذن؟
هذا ما أردتُ بيانَه.
وأحب أن أنَبِّه إلى أن القول بعدم حمل إطلاق الأول على الثاني لاختلاف العقوبتين: فهو -كما هو معلوم- للعلامة الشيخ (محمد بن صالح العثيمين) -رحمه الله تعالى-. فأردتُ أن أعرف جوابَ المُعارِض على قولِه؟ والحمد لله؛ فلم أنسب هذا لنفسي؛ فقد قلتُ في مُشاركتي الأولى: "فبماذا يُجيب القائلون .... على قَول مَن قال ... ". نعم؛ كان يحسن التنبيه على ذلك أول الأمر؛ فالحمد لله على ما قَدَّر.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
¥