بَحْثٌ فِي لَفْظَةِ " بَدَا لِلَّهِ "
ـ[عبد الله زقيل]ــــــــ[25 - 08 - 04, 10:00 م]ـ
بَحْثٌ فِي لَفْظَةِ " بَدَا لِلَّهِ "
الحمدُ للهِ وبعدُ؛
هذا بحثٌ يَتَعَلَّقُ بِلَفظِةٍ وَرَدَتْ في صَحِيْحِ البُخَارِيِّ تَمَسَّكْ بها أَهْلُ البِدَعِ، وطَارُوا بها فَرَحاً – زعموا -، ورَمَوْا أَهْلَ السُّنَّةِ بدائِهِم ثم انْسَلَّوا، وَنَسَبُوا إِلَيْهِمْ زُوراً وبُهْتاناً عَقِيْدَةً يَهُوْدِيَّةً خَبِيْثَةً وهي عَقِيْدَةُ البَدْأَةِ، والعَجِيبُ أن عَقِيْدَةَ البَدْأَةِ مَوْجُوْدَةٌ في كُتُبِهِم هم كما سنَذكُرُ في ثنايا البَحثِ.
وَقَد فَرَغْتُ مِنْ البَحْثِ مُنْذ مُدَّةٍ لَكِنِّي كُنْتُ مُتَرَدِّداً فِي إِنزَالهِ، ثُمّ اسْتخرتُ اللهَ أَنْ أَضَعَهُ فِي هَذَا المُنْتَدًى المُبَارَكِ لَعَلِّي أَظفرُ بِفَائِدَةٍ أَو زِيَادَةٍ مُكَمِّلَة له مِنْ إِخْوَانِي طُلاَّبَ العِلْمِ.
أَسْأَلُ اللهَ أن يَنْفَعَ بِهِ.
حديث الأَعْمَى وَالأَبْرَصِ وَالأَقْرَعِ:
جاء لفظُ " بَدَا لِلَّهِ " في قصةِ الأعمى والأقرع والأبرص، وسأقتصرُ على موطنِ الشاهدِ من القصةِ فقط، وكلامِ أهلِ العلمِ على هذهِ اللفظةِ، وما يترجح منها.
عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ... ".
رواه البخاري (3464)، ومسلم (2964).
وروى البخاري القصة تعليقا بدون لفظة: " بدا لله " في كتاب الأيمان والنذور، باب لا يقول ما شاء الله وشئت. وهل يقول أنا بالله ثم بك؟
وقد ذكر العلماء أقوالا بخصوص هذه اللفظة نلخصها فيما يلي:
* القولُ الأولُ:
معنى لفظة " بدا لله " أي سبق في علمهِ.
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ (6/ 579): بِتَخْفِيفِ الدَّال الْمُهْمَلَة بِغَيْرِ هَمْز أَيْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه فَأَرَادَ إِظْهَاره , وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْد أَنْ كَانَ خَافِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَال فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى.ا. هـ.
ومقصود الحافظ ابن حجر بقوله: " وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْد أَنْ كَانَ خَافِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَال فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى " عقيدة البداء، ولنا مع هذه العقيدة الكفرية وقفة:
إن عقيدة البداء عقيدة يهودية ورد ذكرها في التوراة التي حرفها اليهود على وفق ما يشتهون، ثم أشاع ابن سبأ عقيدة البداء عقيدة البداء، وفرق السبأية كلهم يقولون بالبداء.
وممن فصل عقيدة البداء عند الرافضة الشيخ الدكتور ناصر القفاري في " أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية " (2/ 937 - 952)، وعقد فصلا لها. وأكتفي بما سطره الشيخ الدكتور ناصر.
أما أهل السنة والجماعة – ولله الحمد – لا يعرفون عقيدة البداء وليس لها ذكر في كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
* مسألة:
هل النسخُ يستلزمُ البداءَ؟
أجاب الزركشي في " البحر المحيط " فقال: وَلَا يَسْتَلْزِمُ النَّسْخُ الْبَدَاءَ إذْ النَّسْخُ بِأَمْرٍ، وَالْبَدَاءُ الظُّهُورُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ وَالْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا اسْتِلْزَامَهُ. فَلَزِمَهُمْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، فَقَالَتْ الْيَهُودُ: لَا يَجُوزُ النَّسْخُ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِ الْبَدَاءِ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ الرَّافِضَةُ: يَجُوزُ الْبَدَاءُ عَلَيْهِ لِجَوَازِ النَّسْخِ مِنْهُ. وَالْكُلُّ كُفْرٌ. وَالثَّانِي أَغْلَظُ إذْ يُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُكَفَّرُ بِأَنْ يُجْعَلَ التَّعَبُّدُ بِكُلِّ شَرْعٍ مُغَيَّا إلَى ظُهُورٍ آخَرَ. وَبِهَذَا الْمَعْنَى أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ.ا. هـ.
* القولُ الثاني:
أن لفظة: " بدا لله " من تصرفِ بعضِ الرواةِ، لأنها جاءت في روايةِ مسلم: " أَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْتَلِيهِمْ ".
¥