[الفرق بين الكفر و الشرك]
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[09 - 06 - 04, 12:26 م]ـ
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
هذه قاعدة مهمة جدا قل من يتنبه لها مع كثرة ورودها في كتاب الله و مع أن أهل العلم المحققين يذكرونها في ثنايا كتبهم.
قال تعالى {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (96) سورة البقرة.
أي اليهود مع أن اسم الكفر يشملهم جميعا و لكن هناك فرق بين من كان يهوديا كافرا و بين من كان مشركا كافرا فتدبر.
و قال تعالى {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (151) سورة آل عمران.
و هنا ذكر الله تعالى وصفين لعين واحدة فلا بد إذن أن يكون كل وصف له تأثير و إن كان وحده فذكرهم الله تعالى بوصف الكفر و هذا لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة و يقترن به العذاب و الوصف الآخر الشرك و هو جعل المخلوق ندا للخالق و هذا لا يشترط إقتران العذاب به فقد يكون مشركا و لكن من أهل الفترة و لا يعذب حتى تقام عليه الحجة.
{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (186) سورة آل عمران و هذا كذلك تفريق بين الأسماء بسبب اختلاف الحقائق فحقيقة المشرك غير حقيقة الكتابي لذا خالف الله تعالى بين أسمائهم و إن كانوا يجتمعون في اسم الكفر بعد قيام الحجة فذكر الله تعالى كل بوصفه للتفريق بينهما.
قوله تعالى {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (88) سورة الأنعام فعلق الله تعالى حبوط العمل بالشرك فدل على أن كل من وقع في شرك أكبر فقد حبط عمله و هذا لا يقتضي تعذيبه لأن العذاب لا يكون إلا بعد الرسالة و كذلك لا يقتضي أن يكون حكمه حكم المسلم بحيث يدخل الجنة لأن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة و هذه نفس غير مسلمة و لكن لها حكم آخر و هو حكم أهل الفترة بحيث تمتحن فإن أطاعت دخلت الجنة فكان حكمها حكم النفس المسلمة و إن لم تطع دخلت النار فكان حكمها حكم من أقيمت عليه الحجة.
قوله تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} (1) سورة البينة فلهم اسم و حقيقة لهذا الإسم قبل البينة و هو الشرك و لهم اسم و حكم بعد البينة و هو الكفر و العذاب.
قوله تعالى {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (65) سورة الزمر فحكم الله تعالى حكم جازما لازما بحبوط عمل من أشرك بالله الشرك الأكبر و إن كان خليل الله محمد صلى الله عليه و سلم و الاسم يؤخذ من الفعل فكما أن من أشرك حبط عمله فكذلك من أشرك و حبط علمه هو مشرك لإنتفاء حقيقة التوحيد من قلبه إما استكبارا أو جعل لله أندادا في العبادة لذا من بدع هذا العصر الشرعية و اللغوية و العقلية التفريق بين الفعل و الفاعل.
فالأصل لغة و شرعا بل و عقلا أن من فعل فعلا سمى بهذا الفعل فمن اكل سمي آكلا و من شرب سمي شاربا سواء قيل بان الاسم مشتق من المصدر أو من الفعل فكل النحويين متفقون على ذلك و إن اختلفوا في أصل الإشتقاق لأن المصدر و الفعل كلاهما يتضمن الحدث الذي هو الفعل فشارب مثلا يتضمن حدث الشرب و هذا الحدث موجود في في الفعل و المصدر و فارق الفعل المصدر بأن الحدث قارنه زمن.
و هذا من تدبره علم علم اليقين بأنه مقتضى جميع اللغات.
و كذلك شرعا كل من فعل فعلا سمي بهذا الفعل فمن أشرك مع الله غيره سمي مشركا و من ابتدع في الدين سمي مبتدعا و من شرب الخمر سمي شاربا للخمر.
¥