[نقد كتاب الشنقيطي (2): الجبرية الأموية]
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[20 - 10 - 04, 01:43 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كرر الأستاذ الشنقيطي في رسالته اتهامًا عجيبًا وقديمًا للدولة الأموية؛ بأنها كانت تروج للفكر الجبري وتنشره بين الناس؛ لتباعد بينهم وبين الخروج عليها، أو محاولة تغييرها. فيكون الرضا بتسلط هذه الدولة على المسلمين عقيدة راسخة يدينون الله بها؛ وهذا ما يبتغيه بنو أمية؛ وعلى رأسهم الصحابي الجليل: معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -!
وقد صدق الشيخ محمود شاكر عندما قال: (إن تاريخ بني أمية قد أصابه الكثير من التشويه). (التاريخ الإسلامي 4/ 5).
حيث تعرضت هذه الدولة المسلمة التي لم يأت من بعدها بعشر فضائلها لحملة واسعة من التشويه المتعمد من قبل أعداء كثيرين؛ في مقدمتهم مؤرخو الشيعة الذين اختلقوا الأكاذيب والمفتريات عليها، وقلبوا محاسنها مساؤي.
وقد أحسن الدكتور حمدي شاهين في كتابه الجديد " الدولة الأموية المفترى عليها - دراسة الشبهات ورد المفتريات "، ط دار القاهرة للكتاب، 2001م؛ عندما أنصف هذه الدولة في كتابه هذا الذي أتمنى أن يعود إليه الأستاذ الشنقيطي - وكذا غيره من المهتمين - ليتبين لهم مقدار التجني والتحامل الذي تعرضت له تلك الدولة العظيمة.
يقول الأستاذ (ص 28): (لكن الجبرية الأموية والكربلائية الشيعية لا تزالان سائدتين في دراسة تاريخ صدر الإسلام).
قلت: أما الكربلائية الشيعية فهي تتكرر على أسماعنا وأبصارنا كل عاشوراء! ولا زال الروافض يستغلون حادثة مقتل الحسين - رضي الله عنه - في كسب تعاطف الدهماء تجاه عقائدهم الباطلة، بما يحيطونها به من تمثيل وبكاء مستأجر؛ سواء في كتبهم التاريخية أو معابدهم البدعية.
وأما " الجبرية الأموية " فالدكتور قد تابع فيها من سبقه إليها من المؤرخين المعاصرين المتحاملين على الدولة الأموية؛ ممن يرددون هذه التهمة الغريبة دون دليل معتمد.
وإليك أمثلة لهم:
قال أحمد أمين في كتابه " ضحى الإسلام " (3/ 81): (وبنو أمية كما يظهر كانوا يكرهون القول بحرية الإرادة لا دينياً فقط ولكن سياسياً كذلك؛ لأن الجبر يخدم سياستهم. فالنتيجة للجبر أن الله الذي يسير الأمور قد فرض على الناس بني أمية كما فرض كل شيء، ودولتهم بقضاء الله وقدره فيجب الخضوع للقضاء والقدر).
وقال شاكر مصطفى في كتابه " دولة بني العباس " (1/ 28): (إن خلافة بني أمية تقوم على مبدأين ... المبدأ الثاني: أن ما يتم على الأرض فإنما هو بإرادة الله؛ لأن الإنسان مسير لا مخير، وفلسفة الجبرية كانت تقوم في أساس الفكر الأموي، ولو أراد الله غير ما هو كائن لفعل).
وقال الدكتور عفت الشرقاوي في كتابه " أدب التاريخ عند العرب " (ص 257): (وكان عَوَانة يهتم بالصراع السياسي والحربي بين الإمام علي وخصومه، مع ميل إلى تأكيد فكرة الجبر في تفسير حوادث التاريخ؛ وهي الفكرة التي كان يشجع على بثها بين علماء المسلمين خلفاء بني أمية تأكيداً لسلطانهم السياسي).
وقد رد الدكتور محمد بن صامل السلمي في كتابه " منهج كتابة التاريخ الإسلامي " (ص 202 - 203) على هذه التهمة وهذه الأقوال بقوله:
(بسبب الانحراف في مفهوم القضاء والقدر وقع جملة من الكتاب المعاصرين في أخطاء شنيعة في تقديرهم للدولة الأموية والحكم عليها؛ حيث قالوا إن الدولة الأموية شجعت الاتجاه نحو الجبر والإرجاء وقالت إن أعمالها لا تجوز معارضتها؛ لأن من يعارضها يعتبر منكرًا للقدر، إذ لو أراد الله غير ذلك لكان. وقد أطلق هؤلاء الكتاب هذا القول دون أن يوردوا عليه دليلاً، وهذا يرينا مدى التشويه الذي يلحق تفسير حوادث التاريخ الإسلامي عندما توضع في منظور غير إسلامي وعندما تنحرف المفاهيم والتصورات، وهذا الفهم الذي ذهبوا إليه والحكم الذي حكموا به مبني على الجهل بمفهوم القضاء والقدر وتوهم أن بينه وبين التكاليف الشرعية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله معارضة، وليس الأمر كذلك كما أوضحناه.
كما أن الوقائع التاريخية الثابتة تكذب هذا الادعاء؛ فقد قُتل كلٌ من غيلان الدمشقي ومعبد الجهني اللذين أنكرا القدر في ظل الدولة الأموية كما قُتل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان إماما الجبرية بأمر من الخلفاء الأمويين).
بقي أن يُقال بأن الأحاديث التي تأمر بعدم مفارقة الجماعة أو منازعة الولاة والخروج عليهم؛ هي من الأحاديث الصحيحة المتواترة التي اعتمدها أهل السنة في عقائدهم؛ فلا علاقة لها ببني أمية أو غيرهم؛ كما قد يتوهم البعض.
تنبيه: في نقدي لكتاب الأستاذ الشنقيطي لا أعتمد على ترتيب معين للمسائل المنتقدة؛ لأنني أنوي ترتيب المسائل حسبما جاءت في كتابه بعد فراغي منها جميعًا. وبعد الاستفادة من ملاحظات الإخوة أو زياداتهم ودلالاتهم.
إضافة إلى مابينته سابقًا من أنني عالة على كثير من الباحثين الفضلاء ممن سبق لهم التعرض للمسائل التي خاض فيها الأستاذ.
والله الموفق ..