[لم هذا الجدال في معاني الصفات]
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[19 - 02 - 04, 11:46 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله عدد خلقه و الصلاة و السلام على خاتم رسله وعلى آله وصحبه أما بعد
فقد تألمت من أسلوب خوض بعض الأخوة الكاتبين في هذا المنتدى في صفات الباري تعالى على طريقة تقشعر منها الأبدان ويعلم من تأمل الكتاب و السنة و قرأ و فهم طريقة السلف من الأئمة أنها عن الصواب نائية و فيها ما قد كرهه الأئمة من الجدال وفيها ما ينزه الباري عنه من ضعيف المقال. فهذه نصيحة كتبتها على عجل و في قلبي مما قرأت هم و وجل. و الله يغفر لإخواننا و يوفقنا جميعا لمرضاته.
إخواني لا يرتاب من أنصف وعرف كلام الأئمة أن مسائل الصفات لا ينفع فيها إلا التسليم والإيمان وأن التوسع فيها بذكر الشبه أوالتأويلات ليس من طريقة الأئمة. روى الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى عن مصعب بن عبد الله الزبيري من تلاميذ الإمام مالك رحمه الله تعالى قوله:
(كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه نحو الكلام في رأي جهم والقدر، وكل ما أشبه ذلك ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله وفي الله عز وجل فالسكوت أحب إلي لأني رأيت أهل بلدنا، ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل) اهـ. جامع بيان العلم 2/ 116 وسنده صحيح قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى معقبا على ذلك:
((قد بين مالك رحمه الله تعالى أن الكلام فيما تحته عمل هو المباح عنده وعند أهل بلده يعني العلماء منهم رضي الله عنهم، وأخبر أن الكلام في الدين نحو القول في صفات الله وأسمائه ونحو قول جهم والقدر. والذي قاله مالك رحمه الله تعالى عليه جماعة الفقهاء والعلماء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى، وإنما خالف ذلك أهل البدع المعتزلة وسائر الفرق، وأما الجماعة فعلى ما قال مالك رحمه الله تعالى إلا أن يضطر أحد فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه أو خشي ضلال عامة أو نحو هذا)) اهـ.
فهذا مالك رحمه الله تعالى لا يرى الدخول في ذلك أصلا بل يرى الكلام في ذلك مما نهى عنه أهل المدينة، ومالك قد أدرك بعض البدع المشهورة ومع ذلك يقول مثل هذا. فالإمام مالك من أكثر الأئمة إن لم يكن أكثرهم تشددا في العلم والرواية ولما كان من أهل الانتقاء والتدقيق في الروايات اشتد حرص الأئمة المصنفين في الصحيح وعموم السنن على روايته وحديثه بحيث لم يُقدِّموا على حديثه حديث أحد من الأئمة المشهورين بالعلم من طبقته.
وقال أبوعمر بن عبد البر رحمه الله تعالى: (ليس في الاعتقاد كله في صفات الله تعالى وأسمائه إلا ماجاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت الأمة عليه، وما جاء من أخبارالآحاد في ذلك كله يُسَلَّمُ له ولا
يناظر فيه) اهـ. التمهيد 2/ 117 - 118
وقال أيضا: (تناظر القوم وتجادلوا في الفقه، ونهوا عن الجدال في الاعتقاد، لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين، ألا ترى مناظرة بشر في قوله جل وعز: ? ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ?، (المجادلة - 7)، حين قال بذاته في كل مكان فقال له خصمه، هو في قلنسوتك وفي حشك وفي جوف حمار، تعالى الله عما يقولون. حكى ذلك وكيع رحمه الله تعالى وأنا والله أ كره أن أحكي كلامهم) اهـ. () وكاتبها العبد الفقير إلى الله تعالى، يسأل الله تعالى المغفرة من نقلها، فقد كتبتها والله وأنا أستغفر الله تعالى وأسأله سبحانه الستر والغفران لي ولجميع المسلمين.
وفي كتاب السنة للخلال: ((واعلم أن ترك الخصومة والجدال هو طريق من مضى، ولم يكونوا أصحاب خصومة ولا جدال)) اهـ. ()
وقال الإمام الخطابي: (واعلم أن الأئمة الماضين والسلف المتقدمين لم يتركوا هذا النمط من الكلام، وهذا النوع من النظر عجزا عنه ولا انقطاعا دونه، وقد كانوا ذوي عقول وافرة، وأفهام ثاقبة وكان في زمانهم هذه الشبه والآراء وهذه النحل والأهواء وإنما تركوا هذه الطريقة، وأضربوا عنها لما تخوفوه فتنتها وحذروه من سوء مغبتها، وقد كانوا على بينة من أمرهم وعلى بصيرة من دينهم) اهـ. ()
¥