[مقالات حول البوطي وعقيدته]
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[20 - 11 - 04, 03:11 م]ـ
البوطي والسلفية
وقضايا أخرى ... !
عبد القادر حامد
من منهج مجلة البيان أنها لا تدخل في مهاترات وخلافات شخصية، مما يقع
كثيراً بين المسلمين أفراداً وجماعات وعلماء، وهي إن أشارت إلى بعض الأسماء
فليس من أجل فتح معارك شخصية توغر الصدور وتفرق الصف المسلم بل لبيان
وجه الحق في مسألة ما، ونقد بعض المناهج والأساليب التي يلجأ إليها من يحبون
إثارة المعارك الفكرية التي يكون محورها أشخاصهم وأهواؤهم.
ومن هؤلاء الذين درجوا على إثارة المعارك الدكتور محمد سعيد رمضان
البوطي، فقد أخذ هذا الرجل على عاتقه مهمة الوقوف بقوة وبكل ما أوتي من
مواهب في وجه التيار الذي ينادي بالعودة إلى الكتاب والسنة، وتحكيمهما في واقع
المسلمين المعاصر، ولم يدخر جهداً أو وسيلة للهجوم على هذا التيار، فهو يستخدم
المسجد الذي يخطب فيه، والكرسي الجامعي الذي أسند إليه، والمؤتمرات التي
يدعى إليها، والكتب التي يسودها يستخدم كل ذلك وغيره من أجل تشويه كل من
يمت بصلة إلى هذا التيار.
ولقد أصبحت القضية عنده كأنها قضية حياة أو موت، وعندما تستعرض ما
يكتبه في شأنها تتبدى أمامك شخصية قلقلة تتصنع ركانة ليست من طبعها، كأنها
شخصية من يحاول جر واحتياز شيء ثمين سبقه إليه من هم أقوى منه سواعد،
وأصعب منه قياداً ومراساً.
لقد انتهى الأمر بالبوطي إلى أن حدد مساره بوضوح، وذلك بأن يعمل على
جبهتين، ويحشد طاقاته لتسير على خطين متوازيين:
1 - العمل على رمي الاتجاه السلفي بما يستطيع من عظائم وسخائم، وتضييع
أوقاته التي يسترخصها في هذا المجال العقيم.
2 - بناء اسم ومجد شخصي له في حياته بواسطة هجومه الشرس الذي لا يكن
ولا يكل على هذه الطائفة التي أصبحت عظيمة -والحمد لله- هذا من جهة، ومن
جهة أخرن نعومته و (تحضره) ورزانته المزعومة التي يبدو بها أمام غيرهم ممن
هم أولى بأن يصرف همه إليهم، ويقف جهوده على الإشارة إلى أفاعيلهم، وهم
كثير في البلاد التي يصول فيها ويجول، لا يتطلب التعرف عليهم إلا أن ينظر إلى
يمينه ويساره.
لقد تصدى البوطي في أواخر الستينات لما سماه (اللامذهبية) ووضع كتيباً
بعنوان تهويلي هو: (اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية) خطب
وحاضر وسب وشتم حول هذا الموضوع، ورُدَّ عليه في حينها، ولكنه شعر أنه لم
يكسب الجولة، فقد وجد أنه إذا كتب رسالة رد عليه برسائل، وإذا أصدر كتيباً،
رد عليه بكتاب.
فماذا يفعل!؟ وجاءت الفرصة، حين تشتت أعداؤه شذر مذر، لأسباب لا يد
له هو فيها، فمنهم من يقبع في غياهب السجون، ومنهم من أجبر على الهجرة،
ومنهم من ألجم بلجام الخوف والإرهاب، فانبرى الرجل من جديد يعيدها جَذَعة،
ويستأنف طريقته في النقاش والهجوم، والعلم والتعليم، مع أن الفروسية تقتضي أن
يسكت حيث سكت -أو أسكت- خصومه، ولكن يبدو أن العرب الذين علموا
البشرية الفروسية ماتوا، أو لا يعرفهم البوطي. ففي عام 1408هـ أصدر كتاباً
جديداً بعنوان: (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب). يصلح أن يتخذ نموذجاً
لما يجني التعصب والحقد والغرور والكبر على صاحبه وعلى العلم.
كلمة حول الكتاب:
من صفات العالم الحق أنه يعرض ما يراه من آراء وما يكتبه من بحوث
وموضوعات على آخرين، فيستفيد من ملاحظاتهم وإشاراتهم، فيخرج عمله خميراً
ناضجاً، ولكن يبدو أن البوطي يعيش في وقت غير طبيعي، وفي مشاعر غير
طبيعية، أما الوقت غير الطبيعي: فهذا واضح من تراجع المؤسسات العلمية التي
تعلم العلم الشرعي مقارنة بغيرها من المؤسسات، فعصرنا هذا -وهو عصر
البوطي- تميز بالضغط الشديد على هذه المؤسسات، هذا الضغط المتمثل بالإغلاق
أو التحويل أو المسخ أو التشويه، وكذلك تميز بكبت الأصوات الحرة والعقول
النيرة، وعندما تبتلى الأمم بمثل هذا الفراغ يسارع إلى أخذ الدور وملء الفراغ من
لا يغني فتيلاً، بل يُصْنَع من يسد هذه الخلة صنعاً، ولكن على عين الذين أرادوا
للأمة أن تعيش في ظل الفراغ. ولذلك فقد يعتذر البوطي بأنه لا يجد أحداً يعرض
عليه آراءه وأفكاره، وقد يكون حاله كحال دعبل الشاعر التي يمثلها قوله:
ما أكثر الناس! لا بل ما أقلهم الله يعلم أني لم أقل فندا
¥