[التشكيك والاستشكال في نصوص الشرع المعصوم المحكم]
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[04 - 01 - 04, 07:35 ص]ـ
تمهيد:
المتشابه في القرآن: أخبر الله سبحانه وتعالى أنَّ في بعض آي القرآن آيات محكمات بينات واضحات لا التباس ولا اشتباه في معناها أو مدلولها على أحد و (هنَّ أمُّ الكتاب) أي: غالب آياته.
وأخبر أنَّ فيها آيات أُخَر متشابة المعنى وملبسة اللفظ على بعض الناس وأنَّ ((الزائغة قلوبهم ممن في قلبه ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل يتتبَّعون المتشابه منه الذي يمكن لهم تحريفه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزِّلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرِّفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجَّة عليهم، ولهذا قال: (ابتغاء الفتنة) أي: لإضلال أتباعهم، إيهاماً لهم أنهم يحتجُّون على بدعتهم بالقرآن)). انظر: تفسير ابن كثير (1/ 353).
وهم الذين حذَّر منهم ?، فعن عائشة ? قالت: ((تلا رسول الله ? هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاَّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} [آل عمران: 7] قالت: قال رسول الله ?: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم)). أخرجه الشيخان وابوداود والترمذي، و هذا لفظ مسلم.
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى في موضع آخر أن القرآن نزل كلُّه متشابهاً، فقال سبحانه وتعالى:
{الله نزَّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً} [الزمر: 23].
وأخبر في موضع آخر أنَّ القرآن كله محكم فقال سبحانه وتعالى: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصِّلت من لدن حكيم خبير} [هود: 1].
وقد ورد إشكال في هذا الاختلاف (الظاهر) من وصف القرآن؛ ففي مرَّة وصف القرآن أنه كله محكم، وفي مرَّة أنه كله متشابه، وفي مرَّةً أنَّ بعضه محكم وبعضه متشابهٌ كما تقدَّم، فما الجواب على ذا الاشكال والتعارض الظاهر؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((مما يوضح هذا أنَّ الله سبحانه وتعالى وصف القرآن بأنه محكم وبأنه متشابه، وفي موضع آخر جعل منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه؛ وليس في هذا أي تعارض؛ لأنَّ الإحكام والتشابه فيه عموم وخصوص؛ فينبغي معرفة الإحكام العام والتشابه العام اللذان يعمَّان القرآن، والإحكام الخاص والتشابه الخاص الَّلذان لا يعمَّانه.
فأما الإحكام العام فهو المذكور في قوله سبحانه وتعالى: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصِّلت من لدن حكيم خبير} [هود: 1] ومعنى الإحكام العام: هو الإتقان، والقرآن كلُّه محكم بمعنى الإتقان؛ فلا اختلاف ولا تضاد في آياته، بل هو متقن تام الإتقان، يصدِّق بعضه بعضاً ويؤيِّد بعضه بعضاً.
وأما الإحكام الخاص فهو بمعنى: الفصل بين الشيئين المتشابهين؛ بحيث لا يشتبه أحدهما على الآخر، والحكمة: فصل بين المشتبهات علما وعملا، وإحكام الكلام إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغي في أوامره.
وأما التشابه العام فهو: ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله سبحانه وتعالى: {ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} [النساء: 82] وهو الاختلاف المذكور في قوله: {إنكم لفي قول مختلف ? يؤفك عنه من أُفك} [الذاريات: 8 - 9].
ومعناه تماثل الكلام وتناسبه بحيث لاتناقض بينه؛ كالتناقض في أوامره ونواهيه، فالأقوال المختلفة هي المتضادة، والمتشابهة هي المتوافقة.
وأما التشابه الخاص فهو: مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته إياه من وجه آخر حتى يشتبه على بعض الناس أنه هو أو مثله وليس كذلك، وهذا التشابه إنما يكون لقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما؛ إذ ما من شيئين إلاَّ ويجتمعان في شيء ويفترقان في آخر، ثم من الناس من لا يهتدي للفصل بينهما فيكون مشتبهاً عليه، ومنهم من يهتدي لذلك - وهم الراسخون في العلم و الإيمان - فلا يكون مشتبهاً عليهم.
¥