تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الظن الذي هو أكذب الحديث، كما قال النبي الأكرم r.

ولا أدري كيف سمح هذا المؤلف الظالم لنفسه أن يصدر مثل هذا الحكم الذي لا يستطيع إصداره إلا الله عز وجل، المطلع وحده على خفايا القلوب ومكنونات الصدور، ولا تخفى عليه خافية.

أتراه لا يعلم جزاء من يفعل ذلك، أم إنه يعلم، ولكنه أعماه الحقد الأسود والتحامل الدفين على دعاة السنة؟ أي الأمرين كان فإننا نذكره بهذين الحديثين الشريفين لعله ينزجر عن غيه، ويفيق من غفلته، ويتوب من فعلته.

قال رسول الله r:p إيما رجل أكفر رجلاً مسلماً، فإن كان كافراً وإلا كان هو الكافر i وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: p إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير

حق i .

كما نقول له أخيراً: ترى هل دريت يا هذا بأنك حينما تقول ذاك الكلام فإنك ترد على سلف هذه الأمة الصالح، وتكفر أئمتها المجتهدين ممن لا يجيز التوسل بالنبي r وغيره بعد وفاتهم كالإمام أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله تعالى، وقد قال أبو حنيفة: (أكره أن يتوسل إلى الله إلا بالله) كما تقدم.

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ

ونعود لنقول: إن كل مخلص منصف ليعلم علم اليقين بأننا والحمد لله من أشد الناس حباً لرسول الله r، ومن أعرفهم بقدره وحقه وفضله r، وبأنه أفضل النبيين، وسيد المرسلين، وخاتمهم وخيرهم، وصاحب اللواء المحمود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى، والوسيلة والفضيلة، والمعجزات الباهرات، وبأن الله تعالى نسخ بدينه كل دين، وأنزل عليه سبعاً من المثاني والقرآن العظيم، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس. إلى آخر ما هنالك من فضائله r ومناقبه التي تبين قدره العظيم، وجاهه المنيف صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.

أقول: إننا – والحمد لله – من أول الناس اعترافاً بذلك كله، ولعل منزلته r عندنا محفوظة أكثر بكثير مما هي محفوظة لدى الآخرين، الذين يدعون محبته، ويتظاهرون بمعرفة قدره، لأن العبرة في ذلك كله إنما هي في الاتباع له r، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، كما قال سبحانه وتعالى:} قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، ويغفر لكم ذنوبكم {، ونحن بفضل الله من أحرص الناس على طاعة الله عز وجل، واتباع نبيه r وهما أصدق الأدلة على المودة والمحبة الخالصة بخلاف الغلو في التعظيم، والإفراط في الوصف اللذين نهى الله تعالى عنهما، فقال سبحانه:} يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم، ولا تقولوا على الله

إلا الحق {كما نهى النبي r عنهما فقال: p لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله i.

ومن الجدير بالذكر أن النبي r جعل من الغلو في الدين أن يختار الحاج إذا أراد رمي الجمرات بمنى الحصوات الكبيرة وأمر أن تكون مثل حصى الخذف، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله r غداة العقبة: p هات ألْقِطْ لي i. قال: فلقطت له نحو حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: p مثل هؤلاء – ثلاث مرات – وإياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين i ذلك لأنه r يعد مسألة رمي الجمار مسألة رمزية الغرض منها نبذ الشيطان ومحاربته، وليس حقيقية يراد بها قتله وإماتته، فعلى المسلم تحقيق الأمر، ومنابذة الشيطان عدو الإنسان اللدود بالعداء ليس غير، ومع هذا التحذير الشديد من الغلو في الدين، وقع المسلمون فيه مع الأسف، واتبعوا سنن أهل الكتاب، فقال قائلهم:

دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم

فهذا الشاعر الذي يعظمه كثير من المسلمين، ويترنمون بقصيدته هذه، المشهورة بالبردة، ويتبركون بها، وينشدونها في الموالد وبعض مجالس الوعظ والعلم، ويعدون ذلك قربة إلى الله تبارك وتعالى، ودليلاً على محبتهم نبيهم r، أقول: هذا الشاعر قد ظن النهي الوارد في الحديث السابق منصباً فقط على الادعاء بأن محمداً r ابن الله، فنهى عن هذه القولة، ودعا إلى القول بأي شيء آخر مهما كان. وهذا غلط بالغ وضلال مبين، ذلك لأن للاطراء المنهي عنه في الحديث معنيين اثنين أولهما مطلق المدح، وثانيهما المدح المجاوز للحد. وعلى هذا فيمكن أن يكون المراد الحديث النهي عن مدحه r مطلقاً، من باب سد الذريعة، واكتفاءً باصطفاء الله تعالى له نبياً ورسولاً، وحبيباً وخليلاً، ومما أثنى سبحانه عليه في قوله:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير