تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعضها موضوع وبعضها لا أصل له، وبعضها ضعيف، وقد بينت ذلك في ردي على الدكتور البوطي الذي نشر في مجلة التمدن الإسلامي أولاً، ثم في كتاب مستقل، كما سبق بيانه قريباً (ص121).

5 – جهلة بالمعنى اللغوي لكلمة الاستشفاع:

وهذه غلطة شنيعة أخرى وقع فيها الدكتور – اصحله الله وهداه – إذ استدل بالاستشفاع الوارد في أحاديث الاستسقاء على التوسل المبتدع، فقال: (وقد مر بيان استحباب الاستشفاع بأهل الصلاح والتقوى، وأهل بيت النبوة الوارد في الاستسقاء وغيره، وأن ذلك مما أجمع عليه جمهور الأئمة والفقهاء بما فيهم الشوكاني وابن قدامة والصنعاني وغيرهم) وما كان للدكتور أن يقع في هذا الخطأ لو كان يفقه معنى الاستشفاع في اللغة، ورغبة في تنوير القراء وإفادتهم نورد بعض ما ذكرته كتب اللغة في بيان معنى الشفاعة والاستشفاع.

قال صاحب "القاموس المحيط": (الشَفْع خلاف الوتر وهو الزوج، والشفعة هي أن تشفع فيما تطلب، فتضمه إلى ما عندك فتشفعه أي تزيده، وشاة شافع: في بطنها ولد يتبعها آخر، سميت شافعاً لأن ولدها شفعها أو شفعته، واستشفعه إلينا: سأله أن يشفع).

وفي "المعجم الوسيط" الذي أصدره مجمع اللغة العربية في مصر: (شفع الشيء شفعاً: ضم

مثله إليه وجعله زوجاً، والبصرُ الأشباحً: رآها شيئين، واستشفع: طلب الناصر والشفيع، والشفائع: المزدوجات، والشفاعة: كلام الشفيع، والشفيع: ما شفع غيره، وجعله زوجاً).

وفي "النهاية" لابن الأثير: (الشُفْعة مشتقة من الزيادة، لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه،

فيشفعه به، كأنه كان واحداً وتراً، فصار زوجاً شفعاً، والشافع هو الجاعل الوتر شفعاً .. ).

فمن هذه النقول وأمثالها يظهر معنى الاستشفاع بوضوح، وهو أن يطلب إنسان من آخر أن يشاركه في الطلب، فيزيد به ويكونا شفعاً أي زوجاً، وقد أخذ من هذا الأصل اللغوي المعنى الشرعي للاستشفاع حيث أريد به الطلب من أهل الخير والعلم والصلاح أن يشاركوا المسلمين في الدعاء إلى الله في الملمات، فيشفعوهم بذلك ويزيدوا الداعين، فيكون ذلك أرجى لقبول الدعاء.

وبهذا يمكننا فهم الشفاعة العظمى للنبي r يوم القيامة، فهي باتفاق العلماء دعاء النبي r للناس بعد مجيئهم إليه، وطلبهم منه أن يدعو الله تعالى ليعجّل لهم الحساب، ولم يفهم أحد من أهل العلم من ذلك أن يقول الناس مثلاً: اللهم بمنزلة محمد r عندك عجّل لنا الحساب.

ومن الغريب حقاً أن يتجرأ الدكتور البوطي فيدعي إجماع الأئمة والفقهاء بما فيهم الشوكاني وابن قدامة والصنعاني على فهمه الشاذ المبني على جهل فظيع بمعاني الألفاظ المستعملة في اللغة والشرع.

ونكتفي للرد عليه بنقل كلام أحد الأئمة الذين نص على أسمائهم، وادعى مشاركتهم إياه في

فهمه لمعنى الاستشفاع، ونعني الإمام ابن قدامة المقدسي صاحب أكبر كتاب في الفقه الحنبلي

وهو "المغني" إذ قال فيه (2/ 295) ما نصه:

(ويستحب بأن يستسقي بمن ظهر صلاحه، لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء، فإن عمر استسقى بالعباس عم النبي r. قال ابن عمر: استسقى عمر عام الرمادة بالعباس، فقال: اللهم إن هذا عم نبيك نتوجه إليك به، فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله، وروي أن معاوية خرج يستسقي، فلما جلس على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجُرَشي؟ فقام يزيد، فدعاه معاوية فأجلسه عند رجليه، ثم قال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا يزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك، فرفع يديه ودعا الله تعالى، فثارت في الغرب سحابة مثل الترس، وهبَّ لها ريح، فسقوا حتى كادوا لا يبلغون منازلهم، واستسقى به الضحاك مرة أخرى).

وواضح من كلام ابن قدامة هذا أنه يعني بالاستشفاع الوارد في الاستسقاء أن يطلب إمام المسلمين من بعض أهل العلم والصلاح أن يشترك مع المسلمين في التوجه إلى الله ودعائه سبحانه لكشف الشدة عن عبادة المؤمنين. ولم يقصد الإمام ابن قدامة بل ونجزم بأنه لم يخطر في باله ذاك المعنى الخاطىء الذي يحمله عليه البوطي وأمثاله من المبتدعين، ويريدون حمل الألفاظ الشرعية عليه.

ترى كيف يدعي البوطي مثل هذا الإجماع المزيف ويستشهد بابن قدامة وغيره، وها هو كلام ابن قدامة ينسف فهمه من الجذور؟ أم أنه لا يفهم ما في كتب القوم، أم لعله يدعي

ما يروق له من الدعاوى الساقطة دون أن يراجع الكتب، أو يقرأ كلام العلماء اعتماداً منه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير