تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خروجه من بلاده رحمه الله: كان خروجه من بلاده لأداء فريضة الحج وعلى نية العودة وكان سفره براً كتب فيه رحلة ضمنها مباحث جليلة كان آخرها مبحث القضايا الموجهة في المنطق مع علماء أم درمان بالمعهد العلمي بالسودان.

وبعد وصوله إلى هذه البلاد تجددت نية بقائه، ولعل من الخير وبيان الواقع ذكر سبب بقائه: لقد كان في بلاده كغيره يسمع الدعاية ضد هذه البلاد باسم الوهابية إلا أن بعض الصدف قد تغير من وجهات النظر (وإذا أراد الله أمرا هيأ له الأسباب) ومن عجيب الصدف أن ينزل رحمه الله في بعض منازل الحج بجوار خيمة الأمير خالد السديري دون أن يعرف أحدهما الآخر وكان الأمير خالد يبحث مع جلسائه بيتاً في الأدب وهو ذواقة أديب، وامتد الحديث إلى أن سألوا الشيخ لعله يشاركهم فوجدوا بحراً لا ساحل له ومن تلك الجلسة وذاك المنزل تعدلت الفكرة بل كانت تلك الخيمة بداية منطلق لفكرة جديدة وأوصاه الأمير إن هو قدم المدينة أن يلتقي بالشيخين الشيخ عبد الله الزاحم رحمه الله والشيخ عبد العزيز بن صالح حفظه الله.

وفي المدينة التقى بهما رحمه الله، وكان صريحاً معهما فيما يسمع عن البلاد وكانا حكيمين فيما يعرضان عليه ما عليه أهل هذه البلاد من مذهب في الفقه ومنهج في العقيدة. وكان أكثرهما مباحثة معه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح، وأخيراً قدّم للشيخ كتاب المغني كأصل للمذهب وبعض كتب شيخ الإسلام كمنهج للعقيدة فقرأها الشيخ وتعددت اللقاءات وطالت الجلسات فوجد الشيخ مذهباً معلوماً لإمام جليل من أئمة أهل السنة وسلف الأمة أحمد بن حنبل رحمه الله، كما وجد منهجاً سليماً لعقيدة السلف تعتمد الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة فذهب زيف الدعايات الباطلة وظهر معدن الحقيقة الصحيحة وتوطدت العلاقة بين الطرفين، وتجددت رغبة متبادلة في بقائه لإفادة المسلمين، ورغب رحمه الله في هذا الجوار الكريم وكان يقول: "ليس من عمل أعظم من تفسير كتاب الله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتم ذلك بأمر من جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله وكان الشيخان أقرب الناس إليه ودرس الشيخ عبد العزيز بن صالح الصرف والبيان عليه. رحم الله الموتى وحفظ الله الأحياء.

وهنا كلمة يجب أن تقال للحقيقة ولطلبة العلم خاصة، نضعها في ميزان العدالة وقانون الإنصاف: لقد كان لجلوس الشيخ رحمه الله فائدة مزدوجة استفاد وأفاد.

أما استفادته فأمر حتمي ومنطقه علمي للآتي:

وهو أن منهج الدراسة في بلاده كان منصباً أكثر ما يكون على الفقه وفي مذهب مالك فقط، وعلى العربية متناً وأسلوباً، والأصول والسيرة والتفسير وتقدم أنه رحمه الله درس المنطق بالمطالعة ولم تكن دراسة الحديث تحظى بما يحظى به غيرها للاقتصار على مذهب مالك. وكان الشيخ رحمه الله إماماً في كل ما تقدم مما هو شائع في البلاد.

ولما عزم على البقاء وبدأ التدريس في المسجد النبوي وخالط العامة والخاصة وجد من يمثل المذاهب الأربعة ومن يناقش فيها ووجد في المسجد النبوي دراسة لا تقتصر على مذهب مالك، بل ولا على غيره فكان لا بد من دراسة بقية المذاهب بجانب مذهب مالك وبما أن الخلاف المذهبي لا ينهيه إلا الحديث أو القرآن فكان لزاماً من التوسع في دراسة الحديث وقد ساعد الشيخ على هذا التوسع والاستيعاب وقوة الاستدلال ودقة الترجيح ما هو متمكن فيه من فن الأصول والعربية مع توسعه في دراسة الحديث وبالأخص المجاميع كنيل الأوطار وفتح الباري وغيرها.

وقد ظهر ذلك في منهجه في أضواء البيان حينما يعرض لمبحث فقهي مختلف فيه فيستوفي أقوال العلماء ويرجح ما يظهر له بمقتضى الدليل عقلاً كان أو نقلاً.

وهذا المنهج هو سبيل أهل التحصيل الدأب على الدراسة ومواصلة المطالعة والتنقيح.

أما في العقيدة فقد بلورها منطقاً ودليلاً، ثم لخصها في محاضرة آيات الأسماء والصفات في أول محاضرات الجامعة ثم بسطها ووضحها إيضاحاً شافياً في أخريات حياته في كتابي آداب البحث والمناظرة دليلاً واستدلالاً وعرضاً وإقناعاً. ومن آثار بيانه لها وأسلوبه فيها ما قاله فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله لما سمع بيان الشيخ لعقيدة السلف في مسجد الشيخ محمد رحمه الله قال: "جزى الله عنا الشيخ محمد الأمين خيراً على بيانه هذا فالجاهل عرف العقيدة والعالم عرف الطريقة والأسلوب".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير