تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولابد من عرض كليهما حتى يتبين وجه الصواب لمن أراده، وهو واضح جلي

والحمد لله.

نبذة عن حياته:

وُلد مالك بن نبي في مدينة قسنطينة في الجزائر عام 1905، ونشأ في أسرة

فقيرة؛ لأن جده لأبيه هاجر إلى طرابُلس الغرب احتجاجاً على الاستعمار الفرنسي

وحمل معه كل أملاك العائلة، هذا الميلاد جعله يتصل بالماضي عن طريق من بقي

حياً من شهوده [3].

انتقل والده إلى (تبسة) فعاش فيها طفولته وكانت هذه المدينة الصغيرة بعيدة

نوعاً ما عن (الحضور الفرنسي) وذلك لاحتكاكها بالقبائل المجاورة؛ فحفظها الطابع

البدوي عن الاختلاط مع الفرنسيين، وفي (تبسة) كان يدرس في الصباح العربية

والقرآن ثم يذهب في الساعة الثامنة إلى المدرسة الحكومية الفرنسية، وفي المرحلة

التكميلية كان يتابع دروس العربية والدين، وكانت المدرسة الفرنسية تشجعه على

المطالعة عن طريق إعارة الكتب.

تعرَّف على تلاميذ ابن باديس من الشباب، وشعر أنه - وإياهم - على خط

فكري واحد، وكان يقرأ (الشهاب) و (المنتقد) قبلها ولكنه لم يتصل بالشيخ ابن

باديس ولا تتلمذ عليه، وفي (تبسة) حيث تعيش أسرته لم يتتلمذ أو يؤيد تأييداً قوياً

الشيخ العربي التبسي، وكأن هناك حاجزاً نفسياً بينه وبين المشايخ، ويعترف بعد

ربع قرن: (حينما تفحصت شعوري حول هذا الموضوع تبين لي أن السبب يكمن

في مجموعة من الأحكام الاجتماعية المسبقة، وفي تنشئة غير كافية في الروح

الإسلامي) [4]، ويتابع الحديث عن الأسباب الاجتماعية: (فأحكامي المسبقة ربما

أورثتنيها طفولتي في عائلة فقيرة في قسنطينة، زرعت لاشعورياً في نفسي نوعاً

من الغيرة والحسد حيال العائلات الكبيرة التي كان الشيخ العربي ينتمي إلى واحدة

منها) [5]، وكنت أعتقد أنني أقرب إلى الإسلام بالبقاء قريباً من البدوي أكثر من

البلدي الرجل الذي يحيط به وسط متحضر، وكان الشيخ العقبي يبدو في ناظري

بدوياً، بينما يبدو الشيخ ابن باديس بلدياً [6]، فقد تبين لنا أسباب جفائه لزعماء

جمعية العلماء وهو شاب، أما عندما نضج فكرياً فسيكون له موقف مبني على أسس

عنده سنتكلم عنها إن شاء الله.

بعد الانتهاء من الثانوية عمل متطوعاً في محكمة (تبسة) وهناك تعرف - من

خلال تجوال أعضاء المحكمة في الريف - على رجل الفطرة الذي يستضيف

أعضاء المحكمة رغم أنهم حكموا عليه بالضرائب والغرامات، ثم عمل موظفاً في

محكمة (أفلو) التي تقع جنوب وهران في غرب الجزائر، وهناك أيضاً تعرف على

الكرم العربي والفطرة الصادقة: (فالناس في المدن لا يستطيعون فهم هذه العقلية أو

ذاك النبل في عروق البدوي) [7]، وتعرف على فضائل الشعب الجزائري قبل أن

يفسده الاستعمار، ثم انتقل للعمل في محكمة (شاتودان) ولم يطق معاملة موظفيها؛

فاستقال وتوجه إلى فرنسا وذلك عام 1930م في محاولة للانتساب إلى معهد

الدراسات الشرقية، ولكن طلبه رُفض؛ لأن الدخول لهذا المعهد - كما يقول هو -

لا يخضع لمقياس علمي وإنما لمقياس سياسي.

انتسب إلى مدرسة اللاسلكي ودرس الكهرباء والميكانيكا، وهذه الدراسة

أعطته بُعداً آخر يقول عنها: (فتح لي عالم جديد يخضع فيه كل شيء إلى المقياس

الدقيق للكم والكيف، ويتسم فيه الفرد-أول ما يتسم-بمَيزات الضبط والملاحظة) [8]

ولكن دخوله مع العمل الطلابي المغربى وتعرفه على صديقه (حمودة بن

الساعي) بدأ يغير من اتجاهه العلمي إلى التعمق في الدراسات الاجتماعية.

تخرج مهندساً كهربائياً عام 1935 وبدأ رحلة شاقة في البحث عن عمل في

البلاد العربية وغيرها، وكانت الأبواب توصد في وجهه دائماً وسبب ذلك في

رأيه هو أنه أراد تمزيق شبكة الاستعمار ولم يدرِ أن سمك القرلق (الاستعمار) كان

له بالمرصاد.

زار الجزائر في هذه الفترة، ولاحظ وقوع الناس في حُمى الانتخابات والدجل

السياسي بعد المؤتمر الجزائري.

عاد إلى فرنسا في مطلع الحرب العالمية الثانية مودعاً الجزائر بهذه العبارة:

(يا أرضاً عقوقاً! تطعمين الأجنبي وتتركين أبناءك للجوع، إنني لن

أعود إليك إن لم تصبحي حرة!)، وبقي في فرنسا حتى عام 1956 أصدر فيها

باللغة الفرنسية: (الظاهرة القرآنية)، (شروط النهضة)، (وجهة العالم الإسلامي)،

(الفكرة الإفريقية الآسيوية).

زار مصر عام 1956 وبقي فيها حتى عام 1963، وكان له في مصر تلاميذ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير