إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير! ولكن لا أرى أحدا!
وهنا نصل إلى قضية أن البوطي يعيش في مشاعر غير طبيعية. فكيف
يتصور من البوطي أن يتنازل ليعرض ما يكتبه على غيره؟ (وهل في الميدان
غير حديدان؟!) ولكننا نزعم أن الساحة لم تخل، ولن تخلو، وأن البوطي يلبس
نظارة مكبرة بالمقلوب، تكبر له نفسه جداً وهو النحيل الجسم -كما نعلمه- وتصغر
له من اصطنع خصومتهم حتى يراهم كالذر، أو لا يراهم شيئاً! ولو طامن من
نفسه قليلاً لكان أليق به، وأكثر بركة على الإسلام والمسلمين.
إن الرجل لو عرض كتابه على من يظن بهم العلم للفتوا نظره إلى كثير من
المجازفات التي رماه فيها تسرعه ونزقه، ولبينوا له أن ما نصب له نفسه أمر قد
استتب -والحمد لله- ولا رجعة فيه، ولا تضره كتب تكتب على عجلة، وتتلون
بالغيظ الفائر من خلف الكلمات حيناً، وبالمداورة والتلبيس والعبارات الملتوية التي
ليست من سمات المنهج العلمي في شيء، ذلك المنهج الذي أشار إليه البوطي كثيراً،
وأبدأ وأعاد في بهره، ودار حوله واقترب وابتعد وحين ظن أنه اقتحمه مكتشفاً له
مفتحاً أبوابه المسحورة؟ لم يدر أنه كان مثل الظمآن في الصحراء، أبصر على
البعد ما ظنه ماء فأسرع إليه وطوح مغمضاً عينيه فإذا به لم يطوح في غير السراب!
العمود الفقري للكتاب:
تعارف الناس أن يكون فهرس الكتاب خلاصة لما في الكتاب، تبدو فيه
القضايا الأساسية التي بحثها المؤلف، ولكن القارئ إذا أراد أن يطبق هذا الأمر
المتعارف عليه بين الناس على هذا الكتاب بعد قراءته فإنه سيكتشف أن هذا الأمر
المعروف للناس غير معروف للبوطي، فالقارئ لا يخرج بتعريف للسلفية في اللغة
والاصطلاح، ولا يقبض على شيء من المنهج الذي أعاد فيه القول وحوله كثيراً،
وظن أنه فصل ووضح ووضع النقاط على الحروف، أما تطبيقاته فجاءت كفاء
منهجه: تناقض واضطراب مضحك، وإن كان يثير الشفقة. وقل مثل ذلك في
وقفته مع ابن تيمية.
أما الشيء الذي يخرج القارئ به ويتعثر به أينما جال بنظره في الكتاب فهو:
كره شديد للدعوة السلفية ودعاتها يعبر عنه صراحة؛ بألفاظه التي تنم عن
الكبر الموجود في نفسه، ومداورة؛ حينما يحاول أن يتزيا بزي العلماء ويستخدم
عباراتهم.
* حرص على النيل من ابن تيمية وابن القيم كلما لاحت له فرصة في مناسبة
أو غير مناسبة.
* افتراء وتهويل على خصومه.
* إشارات مبسوطة في عرض الكتاب هنا وهناك تشير إلى اهتمامه بنفسه
وحرصه على البروز. ومن مجموع هذه الإشارات ترتسم شخصية (نرجسية) [1]
معقدة لا تأبه بما يقوله الآخرون.
هذا هو الجد الذي يخرج به قارئ الكتاب، وهذا ما يستخلصه من هذه المعاناة
التي عاناها المؤلف وهو يجلد نفسه من أجل أن يثبت أن:
1 - السلفية بدعة، بل أخطر من كل سائر البدع التي وجدت والتي ستوجد.
2 - ابن القيم لم يأت بما يشفي الغليل في أعلام الموقعين.
3 - إذا جاز لنا أن نكفر ابن عريي فيجوز لنا أيضاً أن نكفر ابن تيمية!
4 - السلفيون جهلة.
5 - السلفية يستخدمها الاستعمار لتفريق المسلمين.
كبر ومكابرة:
نحن الآن في عصر اختلطت علينا فيه الأمور وأصبحنا في جهالة جهلاء
حتى إننا لم نعد قادرين على معرفة من هو المسلم، وما هي شروط ممارسة الإسلام
يقيناً وسلوكاً، ولكن رحمة الله أدركتنا بإرسال البوطي ليؤلف هذا الكتاب ليقول لنا
فيه: إن الإنسان لكي يمارس الإسلام يقيناً وسلوكاً، لا بد أن يجتاز المراحل الثلاث
التالية:
أ- التأكد من صحة النصوص الواردة والمنقولة عن فم سيدنا محمد -صلى الله
عليه وسلم-، قرآناً كانت هذه النصوص أم حديثاً بحيث ينتهي إلى يقين بأنها
موصولة النسب إليه، وليست متقولة عليه.
ب- الوقوف بدقة على ما تتضمنه وتعنيه تلك النصوص، بحيث يطمئن إلى
ما يعنيه ويقصده صاحب تلك النصوص منها.
ج- عرض حصيلة تلك المعاني والمقاصد التي وقف عليها وتأكد منها، على
موازين المنطق والعقل (ونعني بالمنطق هنا قواعد الدراية والمعرفة عموماً)،
لتمحيصها ومعرفة موقف العقل منها. (وطبيعي أن من لم تتحقق عنده الشروط لا
يحكم له بأنه مارس أو يمارس الإسلام يقيناً وسلوكاً) هكذا يقول الشيخ! وشرط
رابع نسيناه (نستغفر الله) وهو المهم، فهو الأداة ... المنهج ... وما أدراك ما
المنهج؟!
¥