" بل نفرض أن أحدا من رجال السلف رضوان الله عليهم لم يجز لنفسه أكثر من أن يثبت ما أثبته الله لذاته مع تفويض ما وراء ذلك من العلم، والتفاصيل إلى الله عز وجل، فإن ذلك لا يقوم حجة على حرمة مخالفتهم في موقفهم، هذه حرمة مطلقة " انتهى كلامه.
ونقول: يا سبحان الله ألا يسعنا ما وسع السلف؟ أليست مخالفتهم وفيهم المهاجرون والأنصار والخلفاء الراشدون وبقية الصحابة رضي الله عنهم والقرون المفضلة أليست مخالفتهم لاسيما في العقيدة بدعة، وكل بدعة ضلالة، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) والله تعالى يقول {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} فشرط سبحانه في رضاه عمن جاء بعدهم اتباعهم للمهاجرين والأنصار بإحسان، والدكتور يقول لا تحرم مخالفتهم في صفات الله عز وجل. ألم يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم خير القرون. ومعنى هذا الحث على الاقتداء بهم والنهي عن مخالفتهم لا سيما في أصول الدين، فهل تجوز المخالفة في أمور العقيدة، أليست العقيدة توقيفية لا مجال للاجتهاد فيها والاختلاف فيها؟!.
التعقيب السابع والعشرون:
في ص146 المقطع الأخير، ذكر أن من البدع القول بفناء النار وأن ذلك داخل بإجماع المسلمين في معنى البدعة.
وتعقيبنا عليه من وجهين:
الوجه الأول: أنه لم يحصل إجماع على تخطئة القول بفناء النار وعده من البدع كما زعم، فالمسألة خلافية وإن كان الجمهور لا يرون القول بذلك، لكنه لم يتم إجماع على إنكاره وإنما هو من المسائل الخلافية التي لا يبدع فيها.
الوجه الثاني: أن الذين قالوا بفنائها استدلوا بأدلة من القرآن والسنة، وبقطع النظر عن صحة استدلالهم بها أو عدم صحته، فإن هذا القول لا يعد من البدع ما دام أن أصحابه يستدلون له؛ لأن البدع ما ليس لها دليل أصلا، وغاية ما يقال أنه قول خطأ أو رأي غير صواب، ولا يقال بدعة.
وليس قصدي الدفاع عن هذا القول ولكن قصدي بيان أنه ليس بدعة ولا ينطبق عليه ضابط البدعة وهو من المسائل الخلافية.
التعقيب الثامن والعشرون:
في ص149 قال: وتفريق الباحث في مسألة القرآن بين ما فيه من المعاني النفسية والألفاظ المنطوق بها، مع ما يلحق بها من حبر وورق وغلاف ليقول إن الأول (يعني المعاني النفسية) قديم غير مخلوق، والثاني حادث مخلوق، أيعد بدعة محظورة لأن هذا التفريق لم يُعلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -?، ومن ثم يجب إطلاق القول بأن القرآن قديم غير مخلوق. والثاني حادث مخلوق أيعد بدعة محظورة لأن هذا التفريق لم يُعلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -?ومن ثم يجب إطلاق القول بأن القرآن قديم غير مخلوق دون تفصيل ولا تفريق، أم لا يعد بدعة وإنما هو شرح وبيان لما علمه الصحابة من قبل على وجه الإجمال، ومن ثم فلا مانع _ لاسيما في مجال التعليم _ من هذا التفريق والتفصيل اهـ.
وتعقيبا عليه أقول: كلامه هذا يتمشى مع مذهب الأشاعرة الذين يفرقون في كلام الله بين المعنى واللفظ فيقولون: المعنى قائم بالنفس وهو قديم غير مخلوق، وهذا كلام الله عندهم، وأما اللفظ فهو عندهم تعبير عن هذا المعنى من قبل جبريل أو النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مخلوق.
وهذا تفريق باطل (6)، ومذهب أهل السنة سلفا وخلفا أن كلام الله تعالى هو اللفظ والمعنى، وكلاهما غير مخلوق؛ لأنه كلام الله تعالى وصفة من صفاته، وصفاته غير مخلوقة.
وقوله إن الصحابة علموا هذا التفريق بين اللفظ والمعنى في كلام الله هو تقول على الصحابة، ونسبة إليهم ما هم منه براء.
التعقيب التاسع والعشرون:
في ص149 تساءل عن التوسل بجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، أو بجاه من عرفوا بالصلاح والاستقامة بعد وفاتهم هل هو بدعة أو يقاس على التوسل به - صلى الله عليه وسلم - حال حياته وهو شيء ثابت دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ومن ثم فهو ليس من البدعة في شيء. ولم يجب عن ذلك التساؤل بل ترك القارئ في حيرة والتباس.
¥