و قال الشاطبي رحمه الله، فى كتاب الإعتصام: (فإن فرقة النجاة - وهم أهل السنة - مأمورون بعداوة أهل البدع، والتشريد بهم، والتنكيل بمن انحاش إلى جهتهم، بالقتل فما دونه، وقد حذر العلماء من مصاحبتهم ومجالستهم، وذلك مظنة إلقاء العداوة والبغضاء، لكن الدرك فيها على من تسبب في الخروج عن الجماعة بما أحدثه من اتباع غير سبيل المؤمنين، لا على التعادي مطلقا، كيف ونحن مأمورون بمعاداتهم وهم مأمورون بموالاتنا والرجوع إلى الجماعة؟)
وقال: (حين تكون الفرقة تدعو إلى ضلالتها وتزينها في قلوب العوام ومن لا علم عنده، فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس، وهم من شياطين الإنس، فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدع والضلالة، ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت له الشهود على أنهم منهم.
فمثل هؤلاء لا بد من ذكرهم والتشريد بهم، لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير عنهم إذا كان سبب ترك التعيين الخوف من التفرق والعداوة، ولا شك أن التفرق بين المسلمين وبين الداعين للبدعة وحدهم إذا أقيم عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين ومن شايعهم واتبعهم، وإذا تعارض الضرران، فالمرتكب أخفهما وأسهلهما، وبعض الشر أهون من جميعه كقطع اليد المتأكله، إتلافها أسهل من إتلاف النفس، وهذا شأن الشرع أبدا، يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل)
دندنة قديمة حديثة
الحارث المحاسبى
ولغير ذى إحاطةٍ بالحارث المحاسبى، أقول: هو رجلٌ قصاص ذاع صيته، وكثر من حضروا مجالسه، وكان يعتمد فى قصصه على الوعظ والتذكير بالعذاب، وهذا حسن، ففيم الخطأ؟
الخطأ فى كونه سلك فى ذلك غير سبيل المؤمنين، فأسس مدرسة بدعية سميت بمدرسة التوهم والتوهم، أى يقول لك مثلاً: أغمض عينيك وتخيل أنك الآن فى حال كذا وكذا، وكذلك كان يروى القصص المتهافت، ورُوِىَّ بسند جيد أن الإمام أحمد رحمه الله لما ذاع صيت هذا الرجل وكثر من يحضرون مجالسه، طلب الإمام أحمد من أحد تلامذته أن يدعو المحاسبى فى بيت هذا التلميذ، على أن يحضر الإمام أحمد ليستمع لما يقوله من غير أن يراه أحد، وتم ذلك، وحضر المحاسبى ولما سمع العوام بوجوده توافدوا عليه، واختبأ الإمام أحمد وظل يستمع اليه حتى دخل على الإمام تلميذه صاحب الدار، فوجد الإمام يبكى بكاءاً شديداً، وقال له الإمام: لقد أبكانى هذا الرجل كما لم أبك، فسأله تلميذه: وما تنصح يا إمام، فقال أحمد: لا تستمع إليه، ونهاه عن ذلك.
أقول: فانظر يرحمك الله، لعمر الله لكأن الزمان قد استدار وأطل علينا المحاسبى من جديد فى ثوب من يقال له الداعية عمرو خالد، الذى يتباهى بأنه يعتمد فى تحضير محاضراته على كتب المحاسبى ولا يفتأ يمتدحه، و لعلى أزيد من الشعر بيتاً فأقول: أوتدرى كم من العوام كانوا يحضرون مجالس الحارث المحاسبى؟
آلافٌ والله
ولكن عند وفاته، أوتدرى كم من الخلق اتبع جنازته؟
أربعة
أربعة نفر
وصدق الإمام أحمد رحمه الله، إذ قال: بيننا وبينهم يوم الجنائز.
فالباطل مهما علا أحبتى، لا محالةَ هافِتُ
والآن، قل متبعوا عمرو خالد بعد أن وقف له أهل العلم بالمرصاد وحذروا الناس منه
قال الإمام الذهبي:
((قال الحافظ سعيد بن عمرو البردعي: شهدت أبا زرعة - وقد سئل عن الحارث المحاسبي وكتبه- فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر، فإنك تجد فيه ما يغنيك. قيل له: في هذه الكتب عبرة. فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة، فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن سفيان ومالكا والأوزاعي صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس؟! ما أسرع الناس إلى البدع!
قُلت: وأين مثل الحارث من تلميذه الذى سار على دربه وإقتفى أثره، عمرو خالد، الذى لو رآه المُحاسبى نفسه لأنكر عليه، والله المستعان.
وللذكرى أذكر نفسى وإياكم ببعض الضوابط
المُختَلِف فى حكم من الأحكام الاجتهادية المختَلَف فيها أصلا، ليس بمبتدع
1 - قال ابن العربى فى (العواصم من القواصم): إن العلم لا ينضج حتّى يترفع عن العصبية المذهبية.
قُلت: وهذى لعمر الله
لهى الطامة الكبرى التى حلت بالمسلمين
فلم نعلم أن أحداً من الصحابة رضوانُ الله عليهم، كان عُمَّرى المذهب - نسبة لابن الخطاب - أو بكرى نسبة لأبى بكر - مع ما للشيخين من علو المكانة فى الأمة
2 - فال سفيان الثّورى: إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذى اختلف فيه وأنت تراه مخطئا فلا تنهه.
قُلت: ولا شك أن النهى الذى نهى عنه سفيان إنما هو نهى الزجر وليس النصح، وإلا فإن أحدنا إن رأى أن رأيه هو الراجح فلا جناح ان يحب لأخيه ما يحبُ لنفسه وذلك بالنصح اللين ثم بالنهى الجميل ولا يتعداه، والله تعالى أعلم
3 - وفى الآداب الشرعية لابن مفلح قال أحمد من رواية المروزى عنه: لا ينبغى للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشتدّ عليهم.
4 - قال النووى فى شرحه على صحيح مسلم: ليس للمفتى ولا للقاضى أن يفرض رأيه على من خالفه إذا لم يخالف نصّا أو إجماعا أو قياسا جليّا.
5 - قال ابن قدامة فى كتاب الروضة فى أصول الفقه: إن للمفتى إذا استفتى وكانت فتواه ليس فيها سعة للمستفتى فله أن يحيله إلى من عنده سعة.
أقول ما قد أسلفت وأستغفر الله لى ولكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
¥