ستخلاف كما وعدهم في تلك الآية مغفرة وأجرا عظيما والله لا يخلف الميعاد فدل ذلك على أن الذين استخلفهم كما استخلف الذين من قبلهم ومكن لهم دين الإسلام وهو الدين الذي ارتضاه لهم كما قال تعالى ورضيت لكم الإسلام دينا سورة المائدة 3 وبدلهم من بعد خوفهم أمنا لهم منه المغفرة والأجر العظيم وهذا يستدل به من وجهين يستدل به على أن المستخلفين مؤمنون عملوا الصالحات لأن الوعد لهم لا لغيرهم ويستدل به على أن هؤلاء مغفور لهم ولهم مغفرة وأجر عظيم لأنهم آمنوا وعملوا الصالحات فتناولتهم الآيتان آية النور وآية الفتح ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة على زمن أبي بكر وعمر وعثمان فإنه إذ ذاك حصل الاستخلاف وتمكن الدين والأمن بعد الخوف لما قهروا فارس والروم وفتحوا الشام والعراق ومصر وخراسان وإفريقية ولما قتل عثمان وحصلت الفتنة لم يفتحوا شيئا من بلاد الكفار بل طمع فيهم الكفار بالشام وخراسان وكان بعضهم يخاف بعضا وحينئذ فقد دل القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان ومن كان معهم في زمن الاستخلاف والتمكين والأمن والذين كانوا في زمن الإستخلاف والتمكين والأمن وأدركوا زمن الفتنة كعلي وطلحة والزبير وأبي موسى الأشعري ومعاوية وعمرو بن العاص دخلوا في الآية لأنهم استُخلِفوا ومُكِّنوا وأمنوا "
منهاج السنة النبوية ج: 2 ص: 36
قال السفارين رحمه الله:
وليس في الأمة كالصحابة ... في الفضل والمعروف والإصابة
فإنهم قد شاهدوا المختارا ... وعاينوا الأسرار والأنوارا
وجاهدوا في الله حتى بانا ... دين الهدى وقد سما الأديانا
وقد أتى في محكم التنزيل ... من فضلهم ما يشفي للغليل
وفي الأحاديث وفي الآثار ... وفي كلام القوم والأشعار
ما قد ربا من أن يحيط نظمي ... عن بعضه فاقنع وخذ عن علم
العقيدة السفارينية ج: 1 ص: 88
الوقفة الثانية إحسان الظن بالصحابة، وهي مبنية على الوقفة التي قبلها؛ لإن العدل الأصل في أفعاله الخير والصلاح فإذا رئي منه خالف ذلك فلا بد من استصحاب الأصل وهو أنه لا يريد بفعله إلا الخير.
وقد أكد علماؤنا هذه النقطة وطبقوها.
قال ابن أبي زيد: ((والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب)).
مقدمة رسالة بن أبي زيد ص8 طبعة جامعة الإمام.
قال الأشعري:
"الإجماع الثامن والأربعون وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة عليهم السلام إلا بخير ما يذكرون به وعلى أنهم أحق أن ينشر محاسنهم ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج وأن نظن بهم أحسن الظن".
رسالة إلى أهل الثغر ج: 1 ص: 303
قال أبو نعيم: ((فالإمساك عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر زللهم، ونشر محاسنهم ومناقبهم، وصرف أمورهم إلى أجمل الوجوه، من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسإن، الذين مدحهم الله عز وجل بقوله: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)).
قال الغزالي:
"وأن يعتقد فضل الصحابة رضي الله عنهم وترتيبهم وأن أفضل الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثنى عليهم كما أثنى الله عز وجل ورسوله وعليهم أجمعين فكل ذلك مما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار فمن اعتقد جميع ذلك موقنا به كان من أهل الحق وعصابة السنة وفارق رهط الضلال وحزب البدعة ".
قواعد العقائد ج: 1 ص: 70
قال الآمدي:
"الواجب أن يحسن الظن بأصحاب الرسول وأن يكف عما جرا بينهم وألا يحمل شئ مما فعلوه أو قالوه إلا على وجهة الخير وحسن القصد وسلامة الاعتقاد وأنه مستند إلى الاجتهاد لما استقر في الأسماع وتمهد في الطباع ووردت به الأخبار والآثار متواترة وآحاد من غرر الكتاب والسنة واتفاق الأمة على مدحهم والثناء عليهم بفضلهم مما هو في اشتهاره يغنى عن إظهاره وأن أكثر ما ورد في حقهم من الأفعال الشنيعة والأمور الخارجة عن حكم الشريعة فلا أصل لها إلا تخر صات أهل الأهواء وتصنعات الأعداء كالروافض والخوارج وغيرهم من السفساف ومن لا خلاق له من الأطراف وما ثبت نقله ولا سبيل إلى الطعن فيه فما كان يسوغ فيه الاحتمال والتأويل فيه بحال فالواجب أن يحمل على أحسن الاحتمالات وأن ينزل على أشرف التنزيلات وإلا الكف عنه والانقباض منه وأن يعتقد أن له تأويلا لم يوصل إليه
¥