وأول نقطة أناقش فيها الأستاذ الفاضل في كتابه، قوله إن عدالة الصحبة التي يحكي المحدثون عليها الإجماع، هي ما يتعلق بالرواية، لا العدالة الدينية التي يذكرها الفقهاء.
قلتم في ص 150
"ومن المصطلحات التي وقع فيها اللبس واستحالت حاجزا ذهنيا ونفسيا أمام دراسة تلك الحقبة مصطلح "عدالة الصحابة " فقد خلط كثيرون بين عدالة الرواية ـ والمطلوب فيها هو الصدق والتدقيق في المروي ـ وعدالة السلوك بمعناها الفقهي القضائي التي تستلزم "اجتناب الكبائر وعدم الوقوع في الصغائر إلا نادرا، واجتناب المباح القادح في المروءة "كما يقول الفقهاء.
وعدالة الصحابة التي يتحدث عنها أهل الحديث عدالة الرواية ... "
وقلتم في ص 152
"لكن بعض المتأخرين أساء فهم عدالة الصحابة، وفهموا من هذا المصطلح أن الصحابي لا يذنب إلا متأولا، وأن كل ما صدر عن بعضهم من اختلاف واقتتال مجرد اجتهاد، ولا مجال فيه للهوى و المطامح الدنيوية. وهذا غلو وتنكر لحقائق الشرع والتاريخ والطبيعة البشرية ".
وقلتم في ص 154
" فإن تحويل عدالة الرواية هنا إلى عدالة في السلوك يشمل كل الصحابة خلط في الاصطلاح، وتنكر للحقيقة الساطعة لا يليق بالمسلم الذي يؤثر الحق على الخلق مهما سموا."
وقلتم:
"إن الذي يسوي بين عمار بن ياسر وبين قاتله أبي الغادية الجهني في العدالة وفي الاجتهاد المأجور صاحبه سواء أخطأ أم أصاب .. لهو ممن لا بصيرة لهم."
النقاط موضع النقاش هي:
1ـ العدالة عند المحدثين هل هي ما ذكر تم من عدم إدخالهم فيها الجانب السلوكي، ويكتفون فيها بأن يكون الموصوف بها صادقا في ما يحدث به مدققا فيه.
2ـ هل هناك فرق بين العدالة عند المحدثين والفقهاء كما قلتم.
3ـ عدالة الصحابة عند المحدثين.
العدالة عند المحدثين كما ذكرها عنهم الأستاذ " الصدق والتدقيق في المروي " لا علاقة لها بالعدالة الدينية التي يذكرها الفقهاء.
ولم تذكروا لما قلتم نقلا واحدا عن أهل الحديث تحتجون به لما ذكرتم عنهم، لأنكم لن تجدوه فأهل الحديث مجمعون على أن أهم جانب في العدالة هو الجانب السلوكي، والجرح به أشد من الجرح بالجوانب الأخرى من الغفلة وسو ء الحفظ.
وهذه بعض النقول عنهم تدل على خلاف ما ذكرتم عنهم.
قال الشافعي:
"ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه ـ: لم يدر لعله يحيل الحلال إلى حرام. وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إذا حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إذا حدث من كتابه. إذا شَرِك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم، بريا من أن يكون مدلسا: يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي".
الرسالة ص370
وقال ابن أبي حاتم:
قال أبو محمد: " فلما لم نجد سبيلا إلى معرفة شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من جهة النقل والرواية وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة.
ولما كان الدين هو الذي جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة حق علينا معرفتهم ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والتثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل لا يشوبهم كثير من الغفلات، ولا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات.
¥