تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

29)، وكذلك قوله إن القرآن "يَذْكُر التوراة والإنجيل ويجادل فيهما اليهود والنصارى، وهو يذكر غير التوراة والإنجيل شيئا آخر هو صحف إبراهيم. ويذكر غير دين اليهود والنصارى دينا آخر هو ملة إبراهيم، هو هذه الحنيفية التى لم نستطع إلى الآن أن نتبين معناها الصحيح. وإذا كان اليهود قد استأثروا بدينهم وتأويله، وكان النصارى قد استأثروا بدينهم وتأويله، ولم يكن أحد قد احتكر ملة إبراهيم ولا زعم لنفسه الانفراد بتأويلها فقد أخذ المسلمون يردّون الإسلام فى خلاصته إلى دين إبراهيم (تحت راية القرآن/ 148، وفى الشعر الجاهلى/ 81)، وقوله أيضا: وليس يعنينى هنا أن يكون القرآن قد استأثر بشعر أمية بن أبى الصلت أو لا يكون" (تحت راية القرآن/ 141 - 150، وفى الشعر الجاهلى/ 83)، وكذلك قوله فى الرد على المستشرق كليمان هوار وزَعْمه أن النبى قد استعان بشعر أمية بن أبى الصلت فى تأليف القرآن: "من ذا الذى يستطيع أن ينكر أن كثيرا من القصص كان معروفا بعضه عند اليهود، وبعضه عند النصارى، وبعضه عند العرب أنفسهم، وكان من اليسير أن يعرفه النبى، كما كان من اليسير أن يعرفه غير النبى. ثم كان النبى وأمية متعاصرين، فلم يكون النبى هو الذى أخذ من أمية، ولا يكون أمية هو الذى أخذ من النبى؟ " (فى الشعر الجاهلى/ 85)، وهو ما يَلْمَح فيه الرافعى تعريضا من طه حسين بأن النبى هو مؤلف القرآن، وهو نفسه ما يفهمه من قوله فى تعليل مخالفته لمن يرون أن إنكار الشعر الجاهلى يسىء إلى القرآن (على أساس أن القرآن ليس فى حاجة إلى شواهد من الشعر على ألفاظه ومعانيها عند العرب): "إن أحدا لم ينكر عربية النبى فيما نعرف"، فهو يرى فى الإشارة الأخيرة أن القرآن هو كلام النبى، وقوله إنه يوجَد "نوع آخر من تأثير الدين فى انتحال (يقصد: "نحل" الشعر وإضافته إلى الجاهليين، وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبى من ناحية أسرته ونسبه فى قريش، فلأمرٍ ما اقتنع الناس أن النبى يجب أن يكون صفوة بنى هاشم، وأن يكون بنو هاشم صفوة بنى عبد مناف، وأن يكون بنو عبد مناف صفوة مُضَر، ومضر صفوة عدنان، وعدنان صفوة العرب، والعرب صفوة الإنسانية كلها" (تحت راية القرآن/ 194، وفى الشعر الجاهلى/ 72 - 73)، فالرافعى يرى أن هذا تهكم واستهزاء بالحديث الصحيح التالى: "إن الله اصطفى كنانة من وَلَدِ إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم" (نفس المرجع والصفحة). ومثل هذا تكذيبه بوجود امرئ القيس مما يُعَدّ رفضا للحديث الصحيح الذى ورد بذكر هذا الشاعر (ص/ 197)، وقوله: "إن يزيد صورة صادقة من جده أبى سفيان فى السخط على الإسلام وما سنَّه للناس من سُنَن" (ص/ 211).

وبعد، فهذا جُلّ لا كُلّ ما رآه الرافعى رحمه الله مطعنا فى إيمان طه حسين بالإسلام وكتابه ونبيه. والحقيقة أن من الصعب تماما الدفاع عن طه حسين، اللهم إلا فى بعض النقاط الفرعية التى لا تقدم ولا تؤخر فى اتهام الرافعى له، إذ قد يمكن القول مثلا إنه حينما قال إنه لا يعنيه أن يكون القرآن قد تأثر بشعر أمية أَوْ لاَ لم يُجَوِّز الاحتمالين كما فهم الرافعى، بل قصد أن هذا ليس موضع الرد على كليمان هوار ولا أوانه، لأنه مشغول فقط ببحثه فى الشعر الجاهلى، وإن كان هذا فى الحقيقة لونا من التأويل المتعسف لكلامه. كما قد يمكن القول إن حكمه على أبى سفيان إنما هو رأى ارتآه على سبيل الاجتهاد، ومهما يكن قد أخطأ فيه فإن إحسان القول فى أبى سفيان ليس من دعائم الإسلام، أو إن طه حسين إذا كان يرفض الحديث الشريف الذى ينص على أفضلية الرسول وأسلافه فلأنه يراه غير صحيح رغم وروده فى كتب الصحاح. ثم قد يقول المجادلون إن النبى عليه الصلاة والسلام لا يضره أن يكون أسلافه أو لا يكونوا أفضل البشر ... وهكذا. وقد نقبل جدلا كلامه فى عميد الأمويين، لكن هل من السهل أن تخفى علينا نبرة التهكم فى تناوله الحديث الذى يؤكد أفضلية الرسول على جميع البشر؟ وهل يليق بمسلم أن تكون هذه نظرته إلى الرجل الذى يؤمن بنبوته وما يعنيه اصطفاء الله له للقيام بهذه الرسالة العظيمة التى لا يُجْتَبَى لها إلا أفذاذ الأخيار من البشر؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير