القسم الأول: أن يكون العمل الذي عمله، واستحضر فيه ثواب الدنيا، وأراده، ولم يرد ثواب الآخرة، لم يرد الشرع فيه بذكر ثواب الدنيا مثل الصلاة والصيام، ونحو ذلك من الأعمال والطاعات، فهذا لا يجوز له أن يريد به الدنيا، ولو أراد به الدنيا، فإنه مشرك ذلك الشرك.
والقسم الثاني: أعمال رتب الشارع عليها ثوابا في الدنيا، ورغب فيها بذكر ثواب لها في الدنيا، مثل صلة الرحم، وبر الوالدين، ونحو ذلك، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه فهذا النوع إذا استحضر في عمله، حين يعمل هذا العمل، استحضر ذلك الثواب الدنيوي، وأخلص لله في العمل، ولم يستحضر الثواب الأخروي، فاستحضر ذلك الثواب الدنيوي، وأخلص لله في العمل، ولم يستحضر الثواب الأخروي، فإنه داخل في الوعيد، فهو من أنواع ذلك الشرك، لكن إن استحضر الثواب الدنيوي والثواب الأخروي معا، له رغبة فيما عند الله في الآخرة يطمع في الجنة، ويهرب من النار، واستحضر ثواب هذا العمل في الدنيا، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن الشرع ما رغب فيه بذكر الثواب في الدنيا إلا للحض عليه:
من قتل قتيلا فله سلبه فقتل القتيل في الجهاد؛ لكي يحصل على السلب هذا، ولكن قصده من الجهاد الرغبة فيما عند الله -جل وعلا - مخلصا فيه لوجه الله، لكن أتى هذا من زيادة الترغيب له، ولم يقتصر على هذه الدنيا، بل قلبه معلق -أيضا- بالآخرة، فهذا النوع لا بأس به، ولا يدخل في النوع الأول مما ذكره السلف في هذه الآية.
النوع الثاني: مما ذكره السلف مما يدخل تحت هذه الآية: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أنه يعمل العمل الصالح لأجل المال، فهو يعمل العمل لأجل ما يحصله من المال، مثل أن يدرس ويتعلم العلم الشرعي لأجل الوظيفة فقط، وليس في همه رفع الجهالة عن نفسه، ومعرفة العبد بأمر ربه، ونهيه والرغبة في الجنة، وما يقرب منها، والهرب من النار، وما يقرب منها، فهذا داخل في ذلك، أو حفظ القرآن؛ ليكون إماما في المسجد، ويكون له الرزق الذي يأتي من بيت المال، فغرضه من هذا العمل، إنما هو المال، فهذا لم يعمل العمل صالحا، وإنما عمل العمل الذي في ظاهره أنه صالح، ولكن في باطنه قد أراد به الدنيا.
والنوع الثالث: أهل الرياء، الذين يعملون الأعمال لأجل الرياء.
والنوع الرابع: الذين يعملون الأعمال الصالحة، ومعهم ناقض من نواقض الإسلام، يعمل أعمالا صالحة: يصلي، ويزكي، ويتصدق، ويقرأ القرآن، ويتلو، ولكن هو مشرك الشرك الأكبر، فهذا وإن قال إنه مؤمن، فليس بصادق في ذلك؛ لأنه لو كان صادقا لوحد الله -جل وعلا -.
فهذه بعض الأنواع التي ذكرت في تفسير هذه الآية، وكلها داخلة تحت قوله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فهؤلاء جميعا أرادوا الحياة الدنيا وزينتها، ولم يكن لهم هم في رضا الله -جل وعلا - وطلب الآخرة بذلك العمل من أصله، بل بذلك العمل الذي عملوه.
هنا إشكال أورده بعض أهل العلم، وهو أن الله -جل وعلا - قال في الآية التي تليها: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وأن هذه في الكفار الأصليين، أو فيمن قام به مكفر، أما المسلم الذي قامت به إرادة الدنيا، فإنه لا يدخل في هذه الآية.
والجواب: أنه يدخل؛ لأن السلف أدخلوا أصنافا من المسلمين في هذه الآية والوعيد بقوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ فيمن كانت إرادته الحياة الدنيا، فلم يتقرب إلى الله -جل وعلا - بشيء مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ فهؤلاء أرادوا الدنيا بكل عمل، وليس معهم من الإيمان والإسلام مصححا لأصل أعمالهم، فهؤلاء مخلدون في النار أما الذي معه أصل الإيمان، وأصل الإسلام الذي يصح به عمله، فهذا قد يحبط العمل، بل يحبط عمله الذي أشرك فيه، وأراد به الدنيا، وما عداه لا يحبط؛ لأن معه أصل الإيمان الذي يصحح العمل، الذي لم يخالطه شرك.
فإذا هذه الآية فيها الوعيد، وهذا الوعيد يشمل -كما ذكرنا- أربعة أصناف، وكما قال أهل العلم: إن العبرة هنا باللفظ لا بخصوص السبب، فهي وإن كانت في الكفار، لكن لفظها يشمل من أراد الحياة الدنيا من غير الكفار". انتهى
ـ[أبو عمر الناصر]ــــــــ[06 - 03 - 05, 09:16 ص]ـ
الأخ الكريم همام بن همام
شكر الله إضافتك وأحسن الله علمك وعملك
ـ[المروزية]ــــــــ[29 - 10 - 10, 03:37 م]ـ
السلام غليكم:
هل ينال الأجر كاملا في الآخرة من استحضر الثواب الدنيوي والأخروي معا في الأعمال التي رتب عليها الشرع ثوابا في الدنيا؟