تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الدكتور البوطي في كتابه (السّلفية ... ) الصفحة (204) هامش: " أما أن يكون في كتب ابن عربي كلام كثير يخالف العقيدة الصحيحة و يستوجب الكفر، فهذا ممّا لا ريبة و لا نقاش فيه، وأما أن يدّل ذلك دلالة قاطعة على أن ابن عربي كافر، وأنّه ينطلق في فهم (شهود الذّات الإلهية) من أصل كفري هو نظرية الفيض، فهذا ما لا يملك ابن تيمية و لا غيره أي دليل قاطع عليه .. "

و قال في هامش الصفحة (207): " ما من ريب أن كلّ من اعتقد أنّ الله هو عين الموجودات أو متلبس بها أو أنّها فيض حتمي من علّيته و سببيته الحتمية للأشياء، فهو كافر خارج عن الملّة الإسلامية، غير أن تبنّي هذه العقيدة لا يدخل في أي قسم أو معنى من معان الفناء كما قسم ابن تيمية رحمه الله، فجعل أصحاب هذا الاعتقاد ممّن اتصفوا بالفناء بمعناه الثالث، فأصحاب هذا الاعتقاد في غاية اليقظة و الصحو، و هم يدافعون عن أوهامهم هذه بمنتهى اليقظة الفكرية، فكيف يوصفون بأنّهم ممّن وقعوا في الفناء؟

هذا إن كان ابن تيمية يعني بهذا الفريق الثالث، أولئك الزّنادقة الذين يدافعون عن باطلهم بأدلة عقلية و فلسفية معروفة ".

أقول: لنا على كلامه هذا، الذي لا يشدّ أوّله آخره، اعتراضات قاطعة لشغبه، منها:

إنّه يقرّ و يشهد على نفسه وجود زنادقة في الإسلام يقولون بوحدة الوجود، و يدافعون عن باطلهم بالعقل و الفلسفة، دون أن يشير إلى واحد منهم باسمه.

و نحن نسأله: من هم هؤلاء الزنادقة، حتى نقول لك: إن كانوا زنادقة أم لا؟

فلربما دسّت عليهم تلك المقالات، أو أنّهم تابوا منها في آخر حياتهم، أو أنّهم لا يعتقدونها، أو أنّها لا تدل على الزندقة، و لماذا لا يسعك ما وسع أئمتك، من تحريم قراءة كتبهم، دون أن تقتحم عليهم ما يكفرهم؟

هذه بضاعتك ردّت إليك، لأنها فاسدة!

ثانيا: إنّ الذي دفع الدكتور، إلى الادّعاء أنّ الذين ينطلقون في فهم شهود الذات الإلهية من نظرية - الفيض- لم يكونوا في حالة من حالات الفناء؛ خوفه من أن يجرّ نفسه إلى ما تراه الصوفية أعظم مقام في السلوك و هو الفناء، و أنّه سبب وقوع كثير من السالكين في الاتّحاد و الحلول، و ليبقي هذا الحصن في مأمن من هجومات أهل السنة و الجماعة، زعم ألاّ صلة لأصحاب وحدة الوجود بقضية الفناء.

ثالثا: ذهب بعيدا في تناقضا ته، عندما عاد ليقول لنا: إنّ أولئك الزنادقة الذين هم من أصحاب القسم الثالث للفناء معذورون، لأنّ الفرق بينهم و بين أصحاب الفناء من القسم الثاني، هو كمية الذّهول الذي يصابون به، فنقضَ ما بناه بعد سطرين من الكلام، فمرّة هم زنادقة، لا علاقة لهم بالفناء، و مرّة هم معذورون، لأنهم أصحاب فناء!

هذا المجمل أما التفصيل فهو:

تعريف الفناء:

الفناء عند الصوفية غاية السلوك، و أعلى المطالب، و نهاية المقاصد؛ و هم يقصدون به اضمحلال النّفس، و تلاشيها أمام شهود ربوبية الله، و تقديره المحكم للكون؛ و يسمون هذا - شهود الذات -، و كل من خاض في أمر الفناء من الصوفية، لم يتعرض إلى شهود إلهية الله لعباده، وتجلي صفاته و أسمائه؛ و هذه حقيقة يستخلصها من نظر في كلامهم، فإنّ الذي يدندن حوله هؤلاء، و ترى كتبهم مشحونة به، هو الفناء في توحيد الربوبية، و هو فناء من عجز عن شهود شيء من المخلوقات إذا شهد قلبه وجود الخالق، لا " ذات الخالق " كما يزعمون.

فلا يفرقون بين المأمور و المحظور، و بين المحبوب و بين المكروه، فإنّ مشاهدتهم القدرة و المشيئة، حجب عنهم شهود الشرع: و الأمر و النهي، و عبادة الله وحده، و طاعة رسوله.

و يسمون الفناء في الربوبية: الفناء عن شهود السوى، و لهم شطحات في شرحه و تقريره.

و الفناء لغة هو: الاضمحلال و التلاشي و الانعدام، و قد يراد به الهلاك، و أما قصدهم الاصطلاحي فهو: أن تذهب المخلوقات و تتلاشى في شهود العبد و تغيب في العدم كما كانت قبل أن توجد، و يبقى الله كما لم يزل، ثم تغيب صورة الفاني، و تضمحل أيضا، فلا يبقى له صورة و لا رسم، ثم تغيب مشاهدته و يصير الله هو الذي يشاهد نفسه بنفسه، كما كان الأمر قبل إيجاد المكوّنات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير