أسندوا لباس الخرقة، خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقتهم و تخليهم رفعوه إلى علي رضي الله عنه ( .... ) يشهد لذلك من كلام هؤلاء المتصوفة من أمر الفاطمي، و ما شحنوا كتبهم في ذلك، مما ليس لسلف المتصوفة فيه كلام بنفي أو إثبات و إنما هو مأخوذ من كلام الشيعة و الرافضة، و مذاهبهم في كتبهم " (ص: 473).
فهذه النقول تثبت أن التشيع كان من العوامل الأساسية في نشأة التصوف الغالي، فالصوفية يسندون الإمامة الروحية إلى علي رضي الله عنه و أنه منبع العلم اللدني، و إليه ترجع الأسرار الإلهية، و هذا بعينه عقيدة الشيعة.
يقول الدكتور عبد القادر محمود في كتابه (الفلسفة الصوفية في الإسلام):" إن التصوف قد أفرخ في بيئة التشيع، و كان التشيع مدخل التطور إلى النظريات الفلسفية المنحرفة في القطبية، و الحقيقة المحمدية، و الإنسان الكامل عن الإمام المعصوم، و كانت الولاية الصوفية هي الإمامة الشيعية «.
كما تضمنت أقوال المتصوفة عناصر مسيحية، كحب لباس الصوف المنسوب للمسيح عليه السلام و ظهور ألفاظ كالناسوت و اللاهوت، التي هي ألفاظ مسيحية بحتة؛ و تقليد المتصوفة للنصارى في الرهبانية التي ذمها الإسلام بنص القرآن: (و رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) (الحديد:27)، كما أن الحلول عقيدة النصارى لهم فيه تفاصيل تشبه تلك التي توجد في كتب المتصوفة، و كذلك إقامة الزوايا و التكايا يشبه دور النصارى، و صوامعهم التي يتخذونها للعبادة، و لقد شرع في الإسلام المسجد فتركه المتصوفة و ابتنوا الدور لإشاعة عقائدهم و طرائقهم.
إن كثيرا من أخلاق المتصوفة لا يتفق مع مقاصد الإسلام حتى يمكن أن نتأول لهم أنهم استنبطوها من النصوص.
إن تأثر المتصوفة بالعقائد الدخيلة على الإسلام، لم يقف عند هذا الحدّ، فإن متأخّريهم وصلتهم عقيدة الحلول و الاتحاد من النصارى الذين أخذوها عن اليونان و الهنود.
ففي كتاب الهنود المقدس (الفدا): إنّ الله واحد لأنّه الجميع، أي: إنّ الله و الإنسان و جميع الكائنات شيء واحد، فالفناء الذي تدعيه الصوفية هو عند هنود عالم - النيرفانا - و معناه إفناء الذات في الله؛ و هم يستعملون للوصول إلى هذا العالم الطرق نفسها التي
تستعملها المتصوفة عندنا، من خلع الشهوات و لو كانت مباحة كالجوع و العطش و الصوم الطويل و التجوّل في الصحاري و البراري، و ترك الكسب، و تعذيب الجسد، و إذلال النفس؛ و لإحداث السكر حتى تحصل المكاشفة المزعومة، يستعمل صوفية الهند الأفيون و مخدّرات أخرى.
و لقد تأثر الأوروبيون بهذه العقيدة، و لأجلها ينتقلون إلى الهند جماعات و فرادى، وجعلوا لها جمعيات ثقافية وغير ذلك.
علاقة الفناء الصوفي بالفيض الفلسفي:
إن الفناء كرحلة علية عند متصوفة جميع الأمم، لا يمثل إلا الفوضى الفكرية و الإباحية الأخلاقية.
إن نظرية الفيض بشقيها: فيض وجود الله على الكائنات، و فيض النفس المتجردة بالعلوم و الحقائق، نظرية فلسفية يونانية تبناها الفلاسفة الإشراقيون تحت عنوان: صدور الكائنات عن الله فيضا و إشراقا، فحاولوا تفسير الكثرة في الوجود بإثبات المبدأ الواحد الذي سموه المبدأ العقلي، وصرح أفلاطون أن عالم المثل هو العالم الحقيقي، وأن هذا العالم الحسي إن هو إلا عالم الخيال، أو مظهر خيالي لذلك العالم الحقيقي.
ولما أخذها عنهم فلاسفة المسلمين كابن سينا كيّفوها، فأثبتوا العقل الأول أي الله الذي عقل نفسه فصدر عنه عقل ثان، عقله و عقل ذاته، و بتعلقه به صدر عنه إشراق، و بتعلقه بنفسه صدر عنه صورة أو هيولي تعلق بالمادة و النفس، و حدث عنه الفلك الأول و بالتوّلد يصدر فلك آخر حتى تصير عشرة، و هي نظرية باطلة لا ترتكز على أي أساس علمي أو عقلي أو وجداني، فهي مجرد دعوة أراد من خلالها الفلاسفة أن يفسروا سبب صدور الكثرة عن الواحد، و لقد كفانا شرّها و زيّفها بمطارق المعقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفريد (منهاج أهل السنة).
نقد مجمل لنظرية الفيض أو الصدور:
مفهوم هذه النظرية عند الفلاسفة هو: إن الله لا يصدر عنه الوجود غائيا أي لحكمة، بل فعل الصدور تلقائي ضروري لا يتعلق باختياره و إرادته سبحانه، فالصدور هو نتيجة خصوبة الواحد وسعة جوده و غناه المطلق.
¥